[توضيح عظم الإمامة وكبر قدرها]
  صفته في جميع حالاته من المدح في حسن الثناء، وأداء الأمانات لأهلها، والأخذ للحقوق، فمتى لم يقم الوالد لولده فيما ندب عارفاً بمصلحتهم وبما لبعضهم على بعض كان ذلك القائم يقمع الظالم، وينصف المظلوم.
  فإن لم يكن كذلك كان الوالد منسوباً إلى العجز، وضعف الرأي، وقلة الحزم، وكذلك رسول الله ÷ بتلك المنزلة فيما أقام ~ وَآلِهِ لأمته؛ لم يكن ليقيم أحداً إلا بأمر الله مُطَهَرًّا مَعصوماً.
[توضيح عظم الإمامة وكبر قدرها]
  وسأوضح لك من الإمامة وعظم شأن خطرها، وكبر قدرها، وعلوّ منزلتها، ما تتصاغر الأشياء عنها عند من فهم وعقل إن شاء الله، وذلك أن إبراهيم خليل الله # اتخذه الله خليلاً من قبل أن يتخذه نبياً، فلما رأى ما في الخُلَّة من الفضل عَظمت في عينه، ثم اتخذه نبياً من قبل أن يتخذه رسولاً؛ فكانت النبوة أعظم عند الله من الخلَّة، وكانت الرسالة أعظم عنده من النبوة، فلما أكمل الله له الخلَّة والنبوة والرسالة قال الله - تبارك وتعالى -: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة: ١٢٤].
  فعلم إبراهيم أنه لا شيء أفضل من الإمامة؛ لأن الإمام يُقتدى ويُهتدى به، على أنه لا يوحى إليه، فما فعل من شيءٍ جاز ذلك الشيء؛ لأنه لا يعمل إلا بأمر الله وهديه، فعند ذلك قال إبراهيم #؛ إذ قال الله له: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}، قال إبراهيم: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}، قال: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: ١٢٤] أي أن الإمامة عهد الله، ولا ينال عهد الله ظالم، والظالم المشرك بالله؛ لأن الله يقول: {لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣]، فلا ينال عهده من أشرك به، وحَجَّ لغيره، وعَبَد الأصنام، واستقسم بالأزلام، وكذلك النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ، وكذلك الأنبياء $ مطهَّرون معصومون بالهداية من الله، والتأديب، لم يجز عليهم شرك، ولم يحجّوا لغير الله، ولا استقسموا بالأزلام، ولم يعبدوا الأصنام، وكذلك الأئمة بمنزلتهم، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم؛ إلا أنه لا يوحى إليهم.