الكامل المنير في إثبات ولاية أمير المؤمنين،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الكلام على زعم الخوارج أن رسول الله ÷ مضى وعنده علم ما تحتاج إليه الأمة]

صفحة 30 - الجزء 1

  وأمَّا قِدَم الهجرة: فإن الله ø يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}⁣[الأنفال: ٧٢].

  فعلمنا أن من صرف هذه الصفة عن رسول الله ÷ من الحكمة، وحُسن الصفة، والقيام بما أولاه الله من أمر خلقه، ووصفه بغير ذلك؛ فزعم أنه أهمل الناس وتركهم يثب بعضهم على بعض⁣(⁣١)، ويظلم بعضهم بعضاً؛ أنه قد أظهر المحادة لله، والعداوة له ولرسوله، والإزراء عليه، وأضاف الذم إليه، ونفى المدح عنه، وأنه إنما قصد الله بسوءِ الثناء، وسوءِ التدبير، ووصف غيره بحسن الثناء، وحسن التدبير، فتعالى الله عمَّا يقول الظالمون علواً كبيراً.

[الكلام على زعم الخوارج أن رسول الله ÷ مضى وعنده علم ما تحتاج إليه الأمة]

  وزعمت الخوارج ومن قال بمقالتهم: أن رسول الله ÷ لم يوصِ إلى أحد، ومضى وعنده علم ما تحتاج إليه الأُمَّة من حلالها وحرامها، ومعرفة مواريثها وصدقاتها، وطلاقها، وقسم فِيِّها، وشرائع حجّها، وعلم أحكامها في النوازل التي نزلت من بعده فيها، وعلم ناسخ القرآن ومنسوخه، والمعمول به من ذلك من محكمه ومتشابهه، وتنزيله وتأويله؛ أحوج ما كانوا إلى قائم يقوم فيهم من بعده يفزعون إليه في هذا كله حتى لا يكون في دين الله اختلاف، ولا شبهة تخاف، لذمّه تبارك وتعالى الاختلاف ونهيه عنه؛ إذ يقول: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ}⁣[آل عمران: ٣].

  وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ١٥٩].


(١) يثب: ينهض. اه قاموس.