مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

روح

صفحة 369 - الجزء 1

  ونفى من المؤمنين الِارْتِيَابَ فقال: {ولا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ والْمُؤْمِنُونَ}⁣[المدثر: ٣١]، وقال: {ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا}⁣[الحجرات: ١٥]، وقيل: «دع ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُرِيبُكَ»⁣(⁣١) ورَيْبُ الدّهر صروفه، وإنما قيل رَيْبٌ لما يتوهّم فيه من المكر، والرِّيبَةُ اسم من الرّيب قال: {بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ}⁣[التوبة: ١١٠]، أي: تدلّ على دغل وقلَّة يقين.

روح

  الرَّوْحُ والرُّوحُ في الأصل واحد، وجعل الرّوح اسما للنّفس، قال الشاعر في صفة النار:

  ٢٠٢ - فقلت له ارفعها إليك وأحيها ... بروحك واجعلها لها قيتة قدرا⁣(⁣٢)

  وذلك لكون النّفس بعض الرّوح كتسمية النوع باسم الجنس، نحو تسمية الإنسان بالحيوان، وجعل اسما للجزء الذي به تحصل الحياة والتّحرّك، واستجلاب المنافع واستدفاع المضارّ، وهو المذكور في قوله: {ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}⁣[الإسراء: ٨٥]، {ونَفَخْتُ فِيه مِنْ رُوحِي}⁣[الحجر: ٢٩]، وإضافته إلى نفسه إضافة ملك، وتخصيصه بالإضافة تشريفا له وتعظيما، كقوله: {وطَهِّرْ بَيْتِيَ}⁣[الحج: ٢٦]، و {يا عِبادِيَ}⁣[الزمر: ٥٣]، وسمّي أشراف الملائكة أَرْوَاحاً، نحو: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والْمَلائِكَةُ صَفًّا}⁣[النبأ: ٣٨]، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ}⁣[المعارج: ٤]، {نَزَلَ بِه الرُّوحُ الأَمِينُ}⁣[الشعراء: ١٩٣]، سمّي به جبريل، وسمّاه بِرُوحِ القدس في قوله: {قُلْ نَزَّلَه رُوحُ الْقُدُسِ}⁣[النحل: ١٠٢]، {وأَيَّدْناه بِرُوحِ الْقُدُسِ}⁣[البقرة: ٢٥٣]، وسمّي عيسى # رُوحاً في قوله: {ورُوحٌ مِنْه}⁣[النساء: ١٧١]، وذلك لما كان له من إحياء الأموات، وسمّي القرآن رُوحاً في قوله: {وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا}⁣[الشورى: ٥٢]، وذلك لكون القرآن سببا للحياة الأخرويّة الموصوفة في قوله: {وإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ}⁣[العنكبوت: ٦٤]، والرَّوْحُ التّنفّس، وقد أَرَاحَ الإنسان إذا تنفّس. وقوله: {فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ}⁣[الواقعة: ٨٩]، فالرَّيْحَانُ: ما له رائحة، وقيل: رزق، ثمّ يقال


(١) الحديث عن أبي الجوزاء قال: قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول اللَّه ؟ قال: حفظت منه: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». أخرجه الترمذي في صفة القيامة رقم (٢٥٢٠) وقال: حسن صحيح، وأخرجه الحاكم ٢/ ١٣ وصححه ووافقه الذهبي، وابن حبان (٥١٢) وصححه، والنسائي ٨/ ٣٢٧، وانظر: شرح السنة ٨/ ١٧.

(٢) البيت لذي الرّمة من قصيدة له مطلعها:

لقد جشأت نفسي عشية مشرف ... ويوم لوى حزوى فقلت لها صبرا

وتسمى هذه القصيدة أحجية العرب، والبيت في ديوانه ص ٢٤٦، والبصائر ٣/ ١٠٣، واللسان (حيا).