مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

شرد

صفحة 449 - الجزء 1

  مَشْرَبَهُمْ}⁣[البقرة: ٦٠]. والشَّرِيبُ: الْمُشَارِبُ والشَّرَابُ، وسمّي الشّعر الذي على الشّفة العليا، والعرق الذي في باطن الحلق شاربا، وجمعه: شَوَارِبُ، لتصوّرهما بصورة الشّاربين، قال الهذليّ في صفة عير:

  ٢٦٣ - صخب الشّوارب لا يزال كأنه⁣(⁣١)

  وقوله تعالى: {وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}⁣[البقرة: ٩٣]، قيل: هو من قولهم: أَشْرَبْتُ البعير أي: شددت حبلا في عنقه، قال الشاعر:

  ٢٦٤ - فأشربتها الأقران حتى وقصتها ... بقرح وقد ألقين كلّ جنين⁣(⁣٢)

  فكأنّما شدّ في قلوبهم العجل لشغفهم، وقال بعضهم⁣(⁣٣): معناه: أُشْرِبَ في قلوبهم حبّ العجل، وذلك أنّ من عادتهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حبّ، أو بغض، استعاروا له اسم الشّراب، إذ هو أبلغ إنجاع في البدن⁣(⁣٤)، ولذلك قال الشاعر:

  ٢٦٥ - تغلغل حيث لم يبلغ شَرَابٌ ... ولا حزن ولم يبلغ سرور⁣(⁣٥)

  ولو قيل: حبّ العجل لم يكن له المبالغة، [فإنّ في ذكر العجل تنبيها أنّ لفرط شغفهم به صارت صورة العجل في قلوبهم لا تنمحي]⁣(⁣٦) وفي مثل: أَشْرَبْتَنِي ما لم أشرب⁣(⁣٧)، أي:

  ادّعيت عليّ ما لم أفعل.

شرح

  أصل الشَّرْحِ: بسط اللَّحم ونحوه، يقال:

  شَرَحْتُ اللَّحم، وشَرَّحْتُه، ومنه: شَرْحُ الصّدر أي: بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة اللَّه وروح منه. قال تعالى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}⁣[طه: ٢٥]، وقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}⁣[الشرح: ١]، {أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَه}⁣[الزمر: ٢٢]، وشرح المشكل من الكلام: بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه.

شرد

  شَرَدَ البعير: ندّ، وشَرَّدْتُ فلانا في البلاد، وشَرَّدْتُ به أي: فعلت به فعلة تُشَرِّدُ غيره أن يفعل فعله، كقولك: نكَّلت به: أي: جعلت ما فعلت به نكالا لغيره. قال تعالى: {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}⁣[الأنفال: ٥٧]،


(١) شطر بيت للهذلي، وقد تقدّم عجزه في مادة (سبع). وهو في مجمع البلاغة للراغب ١/ ١٠٥.

(٢) البيت لأحد اللصوص من بني أسد.

وهو في البصائر ٣/ ٣٠٥، ومعجم البلدان ٤/ ٣٢١، واللسان وعمدة الحفاظ: شرب.

وقرح: سوق وادي القرى.

(٣) هو الفرّاء في معاني القرآن ١/ ٦١.

(٤) في مخطوطتي المحمودية: أبلغ منجاع.

(٥) البيت لعبيد بن عبد اللَّه بن عتبة، أحد فقهاء المدينة، وهو في البصائر ٣/ ٣٠٦، وشرح الحماسة للتبريزي ٣/ ٢٩٨، ومجمع البلاغة ١/ ٤٧٩.

(٦) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان ٣/ ١٤٨.

(٧) انظر: المجمل ٢/ ٥٢٨.