مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

ضل

صفحة 511 - الجزء 1

  {ولَا الضَّالِّينَ}⁣[الفاتحة: ٧]، فقد قيل: عني بِالضَّالِّينَ النّصارى⁣(⁣١). وقوله: {فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى}⁣[طه: ٥٢]، أي: لا يَضِلُّ عن ربّي، ولا يَضِلُّ ربّي عنه: أي: لا يغفله، وقوله: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}⁣[الفيل: ٢]، أي: في باطل وإِضْلَالٍ لأنفسهم.

  والإِضْلَالُ ضربان: أحدهما: أن يكون سببه الضَّلَالُ، وذلك على وجهين: إمّا بأن يَضِلَّ عنك الشيءُ كقولك: أَضْلَلْتُ البعيرَ، أي: ضَلَّ عنّي، وإمّا أن تحكم بِضَلَالِه، والضَّلَالُ في هذين سبب الإِضْلَالِ.

  والضّرب الثاني: أن يكون الإِضْلَالُ سببا لِلضَّلَالِ، وهو أن يزيّن للإنسان الباطل ليضلّ كقوله: {لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ}⁣[النساء: ١١٣]، أي يتحرّون أفعالا يقصدون بها أن تَضِلَّ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلَّا ما فيه ضَلَالُ أنفسِهِم، وقال عن الشيطان: {ولأُضِلَّنَّهُمْ ولأُمَنِّيَنَّهُمْ}⁣[النساء: ١١٩]، وقال في الشّيطان: {ولَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً}⁣[يس: ٦٢]، {ويُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً}⁣[النساء: ٦٠]، {ولا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله}⁣[ص: ٢٦]، وإِضْلَالُ اللَّه تعالى للإنسان على أحد وجهين:

  أحدهما أن يكون سببُه الضَّلَالَ، وهو أن يَضِلَّ الإنسانُ فيحكم اللَّه عليه بذلك في الدّنيا، ويعدل به عن طريق الجنّة إلى النار في الآخرة، وذلك إِضْلَالٌ هو حقٌّ وعدلٌ، فالحكم على الضَّالِّ بضَلَالِه والعدول به عن طريق الجنّة إلى النار عدل وحقّ.

  والثاني من إِضْلَالِ اللَّه: هو أنّ اللَّه تعالى وضع جبلَّة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقا، محمودا كان أو مذموما، ألفه واستطابه ولزمه، وتعذّر صرفه وانصرافه عنه، ويصير ذلك كالطَّبع الذي يأبى على الناقل، ولذلك قيل: العادة طبع ثان⁣(⁣٢). وهذه القوّة في الإنسان فعل إلهيّ، وإذا كان كذلك - وقد ذكر في غير هذا الموضع أنّ كلّ شيء يكون سببا في وقوع فعل - صحّ نسبة ذلك الفعل إليه، فصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى اللَّه من هذا الوجه، فيقال: أَضَلَّه اللَّه لا على الوجه الذي يتصوّره الجهلة، ولما قلناه جعل الإِضْلَالَ المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إِضْلَالَ المؤمنِ فقال: {وما كانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ}⁣[التوبة: ١١٥]، {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ}⁣[محمد: ٤ - ٥]، وقال في الكافر


(١) أخرج أحمد والترمذي وحسّنه وابن أبي حاتم ١/ ٢٣ عن عديّ بن حاتم قال: قال رسول اللَّه : «إنّ المغضوب عليهم اليهود، وإنّ الضالين النصارى» انظر: الدر المنثور ١/ ٤٢. المسند ٤/ ٣٧٨.

(٢) انظر: بسط المقال في ذلك في كتاب (الذريعة) للمؤلف ص ٣٨ - ٣٩.