مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

هزؤ

صفحة 841 - الجزء 1

  إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ}⁣[مريم: ٢٥]، {فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ}⁣[النمل: ١٠]، واهْتَزَّ النّبات: إذا تحرّك لنضارته، قال تعالى: {فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ}⁣[الحج: ٥] واهْتَزَّ الكوكب في انقضاضه، وسيف هَزْهَازٌ، وماء هُزَهِزٌ ورجل هُزَهِزٌ: خفيف.

هزل

  قال تعالى: {إِنَّه لَقَوْلٌ فَصْلٌ وما هُوَ بِالْهَزْلِ}⁣[الطارق: ١٣ - ١٤] الْهَزْلُ: كلّ كلام لا تحصيل له، ولا ريع تشبيها بِالهُزَالِ.

هزؤ

  الهُزْءُ: مزح في خفية، وقد يقال لما هو كالمزح، فممّا قصد به المزح قوله: {اتَّخَذُوها هُزُواً ولَعِباً}⁣[المائدة: ٥٨]، {وإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً}⁣[الجاثية: ٩]، {وإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً}⁣[الفرقان: ٤١]، {وإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً}⁣[الأنبياء: ٣٦]، {أَتَتَّخِذُنا هُزُواً}⁣[البقرة: ٦٧]، {ولا تَتَّخِذُوا آياتِ الله هُزُواً}⁣[البقرة: ٢٣١]، فقد عظَّم تبكيتهم، ونبّه على خبثهم من حيث إنه وصفهم بعد العلم بها، والوقوف على صحّتها بأنهم يَهْزَءُونَ بها، يقال: هَزِئْتُ به، واسْتَهْزَأْتُ، والاسْتِهْزَاءُ: ارتياد الْهُزُؤِ وإن كان قد يعبّر به عن تعاطي الهزؤ، كالاستجابة في كونها ارتيادا للإجابة، وإن كان قد يجري مجرى الإجابة. قال تعالى: {قُلْ أَبِالله وآياتِه ورَسُولِه كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ}⁣[التوبة: ٦٥]، {وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِه يَسْتَهْزِؤُنَ}⁣[هود: ٨]، {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِه يَسْتَهْزِؤُنَ}⁣[الحجر: ١١]، {إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ الله يُكْفَرُ بِها ويُسْتَهْزَأُ بِها}⁣[النساء: ١٤٠]، {ولَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ}⁣[الأنعام: ١٠] والِاسْتِهْزَاءُ من اللَّه في الحقيقة لا يصحّ، كما لا يصحّ من اللَّه اللَّهو واللَّعب، تعالى اللَّه عنه. وقوله: {الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ويَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}⁣[البقرة: ١٥] أي: يجازيهم جزاء الهزؤ.

  ومعناه: أنه أمهلهم مدّة ثمّ أخذهم مغافصة⁣(⁣١)، فسمّى إمهاله إيّاهم استهزاء من حيث إنهم اغترّوا به اغترارهم بالهزؤ، فيكون ذلك كالاستدراج من حيث لا يعلمون، أو لأنهم استهزؤا فعرف ذلك منهم، فصار كأنه يهزأ بهم كما قيل: من خدعك وفطنت له ولم تعرّفه فاحترزت منه فقد خدعته. وقد روي: [أنّ الْمُسْتَهْزِئِينَ في الدّنيا يفتح لهم باب من الجنّة فيسرعون نحوه فإذا انتهوا إليه سدّ عليهم فذلك قوله: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}⁣[المطففين: ٣٤](⁣٢) وعلى هذه


(١) غافص الرجل مغافصة وغفاصا: أخذه على غرّة بمساءة. اللسان (غفص).

(٢) عن ابن عباس في قوله تعالى: {اللَّه يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} في الآخرة، يفتح لهم باب في جهنم من الجنة، ثم يقال لهم: تعالوا، فيقبلون يسبحون في النار، والمؤمنون على الأرائك ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سدّ عنهم فيضحك المؤمنون منهم. أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص ٦١٦.