حبر
  تعالى: {فِيه رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}[التوبة: ١٠٨]، وليس كذلك، فإنّ المحبّة أبلغ من الإرادة كما تقدّم آنفا، فكلّ محبّة إرادة، وليس كلّ إرادة محبّة، وقوله ø: {إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمانِ}[التوبة: ٢٣]، أي: إن آثروه عليه، وحقيقة الاستحباب: أن يتحرّى الإنسان في الشيء أن يحبّه، واقتضى تعديته ب (على) معنى الإيثار، وعلى هذا قوله تعالى: {وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى}[فصلت: ١٧]، وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَه}[المائدة: ٥٤]، فمحبّة اللَّه تعالى للعبد إنعامه عليه، ومحبّة العبد له طلب الزّلفى لديه.
  وقوله تعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي}[ص: ٣٢]، فمعناه: أحببت الخيل حبّي للخير، وقوله تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: ٢٢٢]، أي: يثيبهم وينعم عليهم، وقال: {لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}[البقرة: ٢٧٦]، وقوله تعالى: {والله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ}[الحديد: ٢٣]، تنبيها أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك، وإذا لم يتب لم يحبّه اللَّه المحبّة التي وعد بها التوابين والمتطهرين.
  وحَبَّبَ اللَّه إليّ كذا، قال اللَّه تعالى: {ولكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمانَ}[الحجرات: ٧]، وأحبّ البعير: إذا حرن ولزم مكانه، كأنه أحبّ المكان الذي وقف فيه، وحبابك أن تفعل كذا(١)، أي:
  غاية محبّتك ذلك.
حبر
  الحِبْرُ: الأثر المستحسن، ومنه ما روي:
  «يخرج من النّار رجل قد ذهب حبره وسبره»(٢) أي: جماله وبهاؤه، ومنه سمّي الحبر، وشاعر مُحَبِّر، وشعر مُحَبَّر، وثوب حَبِير: محسّن، ومنه: أرض مِحْبَار(٣)، والحبير من السحاب، وحَبِرَ(٤) فلان:
  بقي بجلده أثر من قرح، والحَبْر: العالم وجمعه: أَحْبَار، لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس، ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها، قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ الله}[التوبة: ٣١]، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين ¥ بقوله:
  (العلماء باقون ما بقي الدّهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة)(٥). وقوله
(١) انظر: مجمل اللغة ١/ ٢٢٠.
(٢) الحديث أخرجه أبو عبيد في غريبه ١/ ٨٥، والفائق ١/ ٢٢٩، والنهاية ١/ ٣٢٧.
(٣) أي: سريعة النبات.
(٤) انظر: المجمل ١/ ٢٦١، والأفعال ١/ ٣٩٥.
(٥) راجع: جامع بيان العلم وفضله ١/ ٥٧، ونهج البلاغة ص ٦٩٢.