التجريد في فقه الإمامين الأعظمين،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

ترجمة الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين #

صفحة 29 - الجزء 1

  يتصل بي عن آثاره، فلما حصلت بصعدة حرسها الله، قلت لمن لقيته من أهلها: كيف أصل إليه، ومتى أصل، وبمن أتوسل في هذا الباب؟ فقيل لي: الأمر أهون مما تقدر، تراه الساعة إذا دخل الجامع للصلاة بالناس، فإنه يصلي بالناس الصلوات كلها، فانتظرته حتى خرج للصلاة فصلى بالناس وصليت خلفه، فلما فرغ من صلاته تأملته فإذا هو قد مشى في المسجد إلى قوم أعِلاّ في ناحية منه، فعادهم وتفقد أحوالهم بنفسه، ثم مشى في السوق وأنا أتبعه، فغير شيئا أنكره، ووعظ قوماً وزجرهم عن بعض المناكير، ثم عاد إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه من داره للناس، فنفذت إليه وسلمت فرحب بي وأجلسني وسألني عن حالي ومقدمي، فعرفته أني تاجر وأني وردت ذلك المكان تبركاً بالنظر إليه، وعرف أني من أهل العلم فأنس بي، وكان يكرمني إذا دخلت إليه، إلى أن قيل لي يوم من الأيام: إن غداً يوم المظالم وإنه يقعد فيه للنظر بين النَّاس، فحضرت غدات هذا اليوم، فشاهدت هيبة عظيمة، ورأيت الأمراء والقواد والرجالة وقوفاً بين يديه على مراتبهم وهو ينظر في القصص ويسمع الظلامات ويفصل الأمور، فكأني شاهدت رجلا غير من كنت شاهدته وبهرتني هيبته.

  فادَّعى رجل على رجل حقاً فأنكره المدَّعي عليه وسأله البينة، فأتي بما فحلَّف الشهود فتعجبت من ذلك، فلما تفرق النَّاس دنوت منه فقلت: أيها الإمام رأيتك حَلَّفْتَ الشهود! فقال: هذا رأيي، أنا أري تحليف الشهود احتياطاً عند بعض التهمة، ما تنكر من هذا؟ هو قول طاووس من التابعين، وقد قال الله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا}⁣[المائدة: ١٠٧]، قال: فاستفدت في تلك الحال منه مذهبه، وقوله وقول من قال به من التابعين، والدلالة عليه، ولم أكن عرفت شيئا منه قبل ذلك.

  وأنفذ إلي يوما من الأيام يقول: إن كان في مالك لله حق زكاة فاخرجه إلينا،