الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[الرد على النواصب العثمانية في تفضيل غيره عليه]

صفحة 101 - الجزء 1

  ولا يقدح فيما أوردناه قوله: وأنت إذا سألت عن أصحاب القرآن ذكروا فلاناً وفلاناً ولا يذكر علي في شيء من هذه الأمور، فإنه جهل وتجاهل شديد، وأقرب ما يسقط هذا التمويه أنهم كما لم يذكروا في جملة هؤلاء أمير المؤمنين # لم يذكروا أبا بكر وعمر وعثمان، والوجه في هذا الباب أنهم أرادوا أن يذكروا المنفرد بكل صنعة من هذه الصناعات، ومن حظه الأوفر مقصور عليها، وإذا كان أمير المؤمنين # حكمه في التقدم في جميعها حكمه في بعضها، فذكره في جملتهم لا وجه له، ألا ترى أنك لو ذكرت خصلة من هذه الخصال ثم سألت هل كان أمير المؤمنين # من المتقدمين فيها لأجاب الجميع إلى ذلك، وهذا الإطباق لا يوجد في أحد سواه.

  فأما حاله # في إيثار التقوى وقلة الرغبة في الدنيا وبلوغه في هذا الباب الذي لم يدرك أحد سواه فيه ما أدرك: فهو ظاهر عند من نظر في السير وتأمل الآثار، وأنت إذا تأملت سيرته # وطريقته التي كان يسلكها في مأكله وملبوسه ومشروبه تبينت ذلك.

  فأما قول الحاكي عن العثمانية: إنه جمع من المال العظيم ما لم يجمعه أبو بكر، وخلف ما لم يخلف: فإنه جهل عظيم، لأنه صلى الله عليه وآله لم يجمع ما لاً يملكه، ولكنه أحب أن يكون قد أطاع الله في جميع وجوهها، وتقرب إليه بكل ما يمكن التقرب به، فاستخرج العيون بكد يده، وأحيا بها الضياع الكثيرة، وتصدق بها وأخرجها عن ملكه.

  وأما قوله بأن معاوية لعنه الله عابه بكثرة التزويج: فإنه دلالة على قلة الدين، فإنه يعلم أن النصارى عابت رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الفعل بعينه، وقالوا لو كان نبياً لكان مثل موسى وعيسى صلى الله عليهما، وإذا انتهى الكلام إلى هذا فالسكوت أولى.

  وأما ما يدل على تقديمه # في الرأي والسياسة: فهو ما ظهر من حاجة جميعهم إلى مشاورته ومسائلته، وانتهائهم إلى رأيه، وأخذهم بقوله، وتركهم لمخالفته، ومن نظر في السير عرف ما كان منه # في هذا الباب في أيام المتولين قبله، ولا سيما في أيام عمر فإنه لم يكن يقدم على شيء من الأمور المتعلقة بالدين والسياسة إلا بعد مشاورته ومراجعته، وليس لأحد أن يعترض على جودة رأيه وحسن سياسته بكثرة الحروب والفتن في أيامه، لأن سياستي الدين والدنيا ربما