الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

دليل آخر

صفحة 106 - الجزء 1

  فصل في أن لأولادهما $ من الفضل بالولادة من الرسول صلى الله عليه وآله ما يستحقون به ضرباً من المدح والإجلال:

  الذي يدل على ذلك: أنهما ولدا رسول الله عليه صلى الله عليه وعليهم، وأولادهما هم أولاد أولاده، وقد ثبت أن له صلى الله عليه من النعمة العظيمة على جماعة المسلمين ما لا نعمة أعظم منها بعد نعمة الله تعالى، وثبت أن المنعم كما يستحق في نفسه على المنعم عليه من المدح والإجلال على طريق الشكر ما يتميز به حاله عن حال من لا نعمة له عليه، كذلك يستحق فيمن يجري منه مجرى نفسه، وهم الذين يسره ما يسرهم، ويغمه ما يغمهم من الأولاد وأولاد الأولاد ضرباً من المدح الذي يتميز به حالهم عن حال أولاد غيره.

  والذي يدل على صحة ذلك: أن الفضلاء كما يستحقون من المنعم عليه ترك مدح المنعم وإجلاله وتمييزه عن غيره، فكذلك يستحقون منه بذلك التسوية بين الأولاد للمنعم الذي يجرون منه مجرى نفسه وبين أولاد غيره، ويذمونه متى لم يميز من غيرهم بضرب من الإجلال على طريق الشكر للمنعم.

  ألا ترى لو أن رجلاً أنعم على غيره بضروب من النعم العظيمة حتى يموله ويخوله ويعلمه ويوليه الولايات السنية، وينجيه من المهالك، ثم سوى بين من يجري مجرى نفسه من أولاده الذين تسره منافعهم وتضره مضارهم، ولم يميزهم عن أولاد غيره ضرباً من التمييز، كان مستحقاً للذم كما أنه لو ساوى بينه وبين غيره استحق ذلك، وإذا صح هذا وعلمنا أنه لا نعمة على المسلمين بعد نعمة الله تعالى أعظم من نعمة رسول الله صلى الله عليه وآله وجب أن يستحق صلى الله عليه وآله في أولاده من المدح والتعظيم والإجلال ما يتميز به حالهم عن حال غيرهم.

  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون هذا الذي ذكرتم يؤدي إلى أن يستحق الإنسان المدح على فعل غيره وهذا معلوم فساده؟.

  قيل له: عطلت فيما توهمت، لأنا نقول: إن المستحق للمدح هو المنعم ولكنه يستحقه في نفسه وفي ما يجري مجرى نفسه على الوجه الذي بيناه.