فصل: في أن الإمام إنما يحتاج إليه في الشرعيات دون العقليات
  قيل له: هذا الذي ادعيته غير معلوم من أحوال جميع الناس، بل قد ظهر من حال كثير من الناس خلافه وهو ما قد علمناه من معصية الناس للرسل والأئمة $، ولو كان هذا معلوماً من حال بعض المكلفين لم يكن طريقه إلا السمع، وهذا تأييد إلى ما ذهبنا إليه من أن الحاجة هي أمور تتعلق بالمصالح السمعية.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون وجه اللطف في وجوده ما يقوم به من الزجر عن الهرج والتظالم والمنع من ذلك، لأن المعلوم من أحوال الناس أنهم يكونون أقرب إلى الكف عن هذه الأمور عند زجر الزاجر؟.
  قيل له: هذا غير معلوم من أحوال جميعهم بل المعلوم من حال كثير منهم أن الزجر لا يؤثر فيه، بل ربما دعاه إلى الزيادة في الإقدام، فإن علم من حال بعضهم لم يكن طريقه السمع، اللهم إلا أن يراد بالزجر ما يتضمنه الخاطر، وقد بينا أن الإمام لا يحتاج إليه في ذلك لقيام غيره مقامه، وأيضاً فإن ما ذكره السائل يوجب القول بوجوب الحاجة إلى جماعة من الأئمة في وقت واحد، بل أن نحتاج في كل بلد إلى إمام بأن يقال: إن المعلوم من أحوال العقلاء الحاجة إلى كثرة الزاجرين عن هذه الأمور، وإن وجود زاجر واحد في عالم لا يكتفي به.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يحتاج إليه ليقوم مقام الرسول صلى الله عليه وآله في تأدية الشريعة وحفظها ولدفع الخلاف؟.
  قيل له: إنما يحتاج إليه لتأدية الشريعة وحفظها لو لم يصح العلم بها إلا من جهته.
  فأما إذا صح كونها معلومة محفوظة بعد الرسول ÷ بتواتر النقل وإجماع المجمعين لم يحتج إليه في ذلك.
  فأما رفع الخلاف فلا تأثير للإمام، لأن خلاف المختلفين ينقسم قسمين:
  أحدهما: في الأصول، والآخر: في الفروع الشرعية.
  فأما رفع الخلاف في الأصول: فلا سبيل إليه إلا بالنظر في الأدلة، والمكلفون قد مكنوا من ذلك وأزيحت عللهم فيه، وقد بينا أن الإمام لا تأثير له في شيء من ذلك.