الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

فصل: في أن طريق معرفة الحاجة إلى الإمام السمع دون العقل

صفحة 117 - الجزء 1

  وأما الخلاف في فروع الشرع: فلم يؤمروا برفعه، وإنما أمر الكل بما يؤدي اجتهادهم إليه، وهذا يفسد أيضاً بما بيناه من حال زماننا هذا في خلوه من إمام يؤخذ عنه ويرجع إليه ويدفع خلاف المخالفين، والتكليف ثابت والتعبد بالشرع لازم.

  فإن قال: ما أنكرتم أن يحتاج إليه من حيث كان النقص قد عمهم، فلا بد من كامل يفزعون إليه ويدفع خلاف المخالفين، والتكليف ثابت، والتعبد بالشرع لازم.

  قيل له: هذا إيهام لا معنى له من طريق السير، لأن النقص الذي أومئوا إليه لا يخلو من وجهين: إما أن يكون مانعاً لهم من معرفة ما كلفوه، أو غير مانع لهم من ذلك.

  فإن كان مانعاً لهم: فهذا يوجب سقوط التكليف، على أنا قد بينا أن جميع ما يحتاج إليه المكلف في معرفة ما كلف لا تأثير للإمام فيه وفصلنا القول في ذلك.

  وإن لم يكن ذلك مانعاً مما كلفوه: لم يحتج إلى الإمام لأجله.

  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون ذلك النقص هو ما يلحقهم من السهو فيما يحتاجون إلى تنبيه الإمام فيه؟.

  قيل له: هذا فاسد، لأن السهو عما كلفوه من النظر في الأدلة وغير ذلك لا يصح أن يستمر بهم مع كمال العقل، فأما العارض منه كالنوم وما يجري مجراه فإنه يقتضي سقوط التكليف في تلك الحال فلا يحتاج لأجله إلى الإمام.

فصل: في أن طريق معرفة الحاجة إلى الإمام السمع دون العقل

  الذي يدل على ذلك: ما قد بيناه ودللنا عليه من أن الإمام إنما يحتاج إليه لتنفيذ الأحكام الشرعية، التي هي إقامة الحدود، وحفظ البيضة، وتولية الأمر أو القضاء وما يجري مجرى ذلك، وإذا كان طريق معرفة ما يحتاج إليه لأجلها السمع فطريق معرفتها نفسها بالسمع أولى، وهذا كما نقوله إن الأنبياء صلى الله عليهم أجمعين ما كان وجه الحاجة إليهم هي معرفة المصالح من قبلهم، وهذه المصالح لا يعرف وجوبها عقلاً، فبأن لا يعرف وجوب النبوة عقلاً أولى.