فصل: في أن طريق معرفة الحاجة إلى الإمام السمع دون العقل
  فإن قال قائل: ما أنكرتم أن تكون العقول دالة على الحاجة إليه من حيث عرفنا الحاجة إلى من يفصل لنا بين الأطعمة المغذية والمسمومات القاتلة، لأن الأبدان لا تقوم إلا بمعرفة هذه الأمور؟.
  قيل له: هذا فاسد من وجوه:
  منها: أن قوام البدن لا يحتاج فيه إلى معرفة هذه الأمور، ألا ترى أن كثيراً من الأحياء تقوم أبدانهم من دون أن يعرفوا شيئاً منها كالبهائم وكثير من الناس.
  ومنها: أن العلم بهذه الأمور لا يمتنع أن يحصل من جهة العادات كالعلم بسائر ما طريقه العادات.
  ومنها: أن ذلك لو صح لاكتفى في معرفة هذا الباب بواحد من الرسل والأئمة $ بأن يبين ذلك ثم يتواتر النقل عنه فلا يحتاج إلى رسول أو إمام في كل زمان.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون في فزع العقلاء إلى نصب رئيس في كل زمان احتراز من التظالم والتهارج دلالة على وجوب الحاجة إلى الإمام عقلاً؟.
  قيل له: هذا لا يصح الإستدلال به على أن فعلهم حق، لأن العقلاء قد يجمعوا على الباطل تقليداً أو جهلاً لشبه دخلت عليهم، فلا يصح الإستدلال بفعلهم على أن ما أجمعوا عليه حقاً، وإنما لا يجوز اجتماعهم على الباطل فيما طريقه الإدراك أو الإخبار عن المدركات على بعض الوجوه.
  فأما ما يتعلق بالديانات: فذلك يجوز عليهم فيه، وأيضاً فإن فزعهم إلى هذا الأمر لا يخلو: من أن يكون عن علم بالحاجة إلى ذلك، أو عن غير علم بها.
  فإن كان عن علم لم يخل ذلك العلم من أن يكون ضرورياً أو مكتسباً.
  فإن كان ضرورياً وجب أن نشاركهم في العلم به.
  وإن كان مكتسباً وجب أن يبين وجه دلالته.
  وإن لم يكن عن علم فلا اعتبار بفعلهم، وإذا كان كذلك لم يصح الإستدلال بفزعهم إلى هذا الأمر على وجوبه من حيث ظنه السائل.