فصل: في تفصيل ما يختص الأئمة بالقيام به للرعية وما يلزم الرعية التصرف فيه للأمة
  وأيضاً فإن فزع من يفزع من العقلاء إلى ذلك يؤكد بطلان مذهب من يخالفنا في هذا الباب، لأنهم إنما يفزعون إلى ذلك من حيث يظهرون أنه لا بد في كل بلد أو قبيلة من رئيس أو رئيسين، وأن خلاف ذلك يؤدي إلى الهرج.
  فلو قيل لهم: إن الصواب هو عقد الرئاسة لواحد في العالم في كل زمان على جميع القبائل مع اختلافها، واختلاف دواعيها وأحوالها، وما بينها من التنافس، ومع العلم بأن كل قبيلة من الإنقياد لرئيس من قبيلة أخرى لاستجهلوا هذا القائل، ونسبوه إلى السفه، وإذا كان هذا هكذا بان أمر مخالفينا، وأنه لا متعلق لهم في ذلك، بل هو بأن يدل على خلاف ما يذهبون إليه أولى.
فصل: في تفصيل ما يختص الأئمة بالقيام به للرعية وما يلزم الرعية التصرف فيه للأمة
  اعلم أنما يختص الإمام بالقيام به للمأمون هو النظر في مصالحهم، وإمضاء الأحكام بينهم، وإقامة الحدود فيهم، وحفظ البيضة، ومجاهدة الأعداء، وتولية القضاء والأمراء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يتصل بذلك.
  والذي يدل على ما ذكرناه: إطباق الصحابة عليه، لأن المعلوم من حالهم إظهار التدين بأن تولي هذه الأمور إلى الأئمة دون غيرهم، وأنه ليس لأحد أن يستبد بشيء منها دونهم، لأنهم مع اختلافهم في أعيان الأئمة لم يختلفوا في أن من ثبتت إمامته هو المختص بتولي الأمر دون غيره، ولا خلاف في هذه الجملة إلى وقتنا هذا بين من يذهب إلى حاجة الناس إلى الأئمة، إلا أن هذه الأمور تنقسم قسمين:
  أحدهما: يختص به الإمام على وجه لا يجوز أن يقوم غيره مقامه، فمتى لم يوجد الإمام كان التكليف فيه موقوفاً على وجوده، وهذا كإقامة الحدود، وتولية الأمراء والحكام، ولا خلاف بين من يثبت حاجة الناس إلى الإمام في أن كل واحد من الأمة ليس له إقامة الحدود، وإنما اختلفوا في إقامة المولى الحد على مملوكه، وكذلك لا خلاف بينهم في أنه ليس لأحد من الأمة تولية الأمر والحكام.
  القسم الثاني: يجوز للجماعة من المسلمين القيام به وإن لم يوجد الإمام، وهذا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على شرائط مخصوصة، لأن ظواهر القرآن دلت على وجوب ذلك ولم يشترط فيه وجود الإمام.