فصل: في تفصيل ما يختص الأئمة بالقيام به للرعية وما يلزم الرعية التصرف فيه للأمة
  فأما الجهاد وقسمة الغنيمة وما يتعلق بذلك: فعند كثير من الناس يجوز أن يتولاها المسلمون وإن لم يوجد الإمام، والذي يجب أن يحصل في هذا الباب أن الجهاد الذي يفعل على سبيل الدفع للأعداء وما يجري مجرى الدفع، فإنه لا يحتاج فيه إلى الإمام.
  ألا ترى أنه لا خلاف بين المسلمين أن الخوارج إذا حاولوا قتلهم، وسبي ذراريهم، وهتك حرائمهم، فلهم أن يمنعوا من ذلك ويدفعوهم عن أنفسهم وإن لم يكن هناك إمام.
  فأما الإبتداء بالجهاد إذا لم يكن الحال على ما ذكرناه من دون الإمام فلنا فيه نظر.
  والقول في قسمة الغنيمة يجب أن يكون مبيناً على ما ذكرناه، وقد ذهب بعض الزيدية إلى أن الإمام إذا اجتهد في بعض الفروع فليس لسائر المجتهدين أن يخالفوه في القول الذي أدى اجتهاده إليه، بل يجب عليهم التزامه، وأجرى ذلك مجرى الحكم إذا ألزمه الغير في أنه ليس له مخالفته وترك التزامه، وإن كان التزامه قد أدى إلى خلافه، وبنى على هذا أن الإمام الثاني ليس له أن يخالف الإمام الأول فيما قاله من طريق الإجتهاد، وهذا غير صحيح عندنا، لأن الدلالة التي دلت على التعبد بالإجتهاد، وأن كل مجتهد مصيب ولم تفصل يبن الإمام وبين غيره، ولا بين الحادثة التي اجتهد فيها الإمام والحادثة التي لم يجتهد فيها، ولا فصل بين من يذهب إلى ذلك - والحال على ما ذكرنا - وبين من يذهب إلى أن الإستدعاء إلى الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يجري مجرى ذلك مما يختص به الأئمة دون غيرهم.
  وأما إلزامه الغير ما يلزمه على طريق الحكم: فلا تشبه هذه المسألة، لأن الدلالة قد دلت على أن أحد ما نصب له الإمام واحتيج لأجله هو إلزام الأحكام ورفع الخصومات، وأن الأئمة هم الذين يختصون بذلك، أو من يتولى من جهتهم دون سائر الناس، وليس يجب إذا دلت الدلالة على أن بعض الأحكام الشرعية يختص بها الأئمة دون سائر أن يحمل على سائرها من دون دلالة تقتضي ذلك.
  يبين صحة ما ذهبنا إليه في هذا الباب: أن المعلوم من حال أمير المؤمنين # أنه لم يكن يحمل المجتهدين في أيامه على اجتهاد نفسه كابن عباس وشريح وغيرهما، ولو كان ذلك يجري مجرى الحكم وجب أن يحمل الناس عليه كما كان يحملهم على حكمه ولا يسوغ لهم العدول عن التزامه.