الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

فصل: في أن الإمام لا يجب أن يكون مأمون الباطن معصوما كالرسول صلى الله عليه وآله

صفحة 127 - الجزء 1

  ومنها: قولهم أنه إذا لم يكن مأمون الباطن لا يجوز أن نؤمر بطاعته أمراً، لأنا لا نأمن أن يكون في جملة ما يأمر به معصية فيكون بالأمر بطاعته أمراً بالمعصية والله يتعالى عن ذلك علوا كبيراً؟.

  فالجواب عن ذلك: أن التعبد إذا ورد بطاعته في أمور مخصوصه على الظاهر فامتثلنا ذلك كان فعلنا طاعة، وإن كان الباطن فيما أمرنا به مخالفاً للظاهر، كما أن الحاكم إذا ألزم الغير حكمه عند شهادة شهود مخصوصين كان ذلك الإلزام طاعة، وإن كان الباطن فيما شهد فيه الشهود مخالفاً للظاهر، وكما أن العبادة قد ظهرت بطاعة الأمير والإمام وإن لم يأمن أن يكون في جملة ما يأمرونه ما هو معصية، ألا ترى أنه لا خلاف أن الذين أَمَّرَ النبي ÷ على الجيوش لم يكونوا مقطوعين على بواطنهم ولم يمنع ذلك من وجوب طاعتهم على من هو تحت رايتهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد» وإذا كان الأمر على ما بيناه لم يلزم ما توهمه من جواز ارتكاب المعصية في طاعة الإمام، وأن الأمر بها يكون أمراً بالمعصية.

  ومنها: قولهم إن الإمام لما كان قائماً مقام النبي صلى الله عليه وآله في حفظ الشريعة وتأديتها وتعليم الأمة، وتوقيفها على معالم دينها وجب أن يكون مشاركاً له صلى الله عليه وآله في العصمة؟.

  والجواب عن ذلك: أن هذه الشبهة مبنية على إيهامات ودواعي غير مسلمة، لأنهم إن أرادوا بهذا القول أن الشريعة لا تعلم إلا من جهته كما لم يعلم إلا من جهة الرسول #، فهذا موضع الخلاف وقد بينا فيما تقدم فساده، وإذا كان ذلك كذلك فقولهم إنه مختص بتعليم الشريعة وحفظها وتوقيف الناس عليها قول لا فائدة فيه، لأنا نخالفهم في ذلك كما نخالفهم فيما يدعونه من العصمة.

  وإن أرادوا بذلك أنه القيم بإمضاء الأحكام المخصوصة التي ذكرناها وبحفظ البيضة وسد الثغور: فقد بينا أن كونه متولياً لهذه من جهة الظاهر لا يوجب أن يكون مأمون الباطن كما لا يجب ذلك في الأمراء والحكام والشهود.

  ومنها: قولهم قد ثبت كون الأمة محتاجة إلى الإمام وأن علة حاجتها إليه جواز وقوع ما إذا وقع منهم تعلق به أحكام لا يقوم بها إلا الإمام من جلد وقطع وإلزام وحكم وما يتصل بذلك، فلو