[الأدلة على صحته]
  وإما اتفاق لهج كثير من الناس بذكرها لبعض الأغراض، وتكررها على الأسماع، أو ما يجري مجراها من الأسباب المعروفة.
  وقد ثبت أن جميع الأسباب التي تقتضي ظهور الأخبار على الحد الذي ذكرنا كانت مفقودة في هذا الخبر إلا السبب الذي نذهب إليه، وهو ظهور نقله على الأصل، على وجه يوجب العلم ويلزم الحجة، فهذا هو الذي يدل على صحة هذا الخبر.
  فإن قال: لم قلتم إن سائر الأسباب مفقودة في هذا الخبر سوى السبب الذي ذكرتم؟.
  قيل له: لأنا قد علمنا ضرورة ما كان عليه بنو أمية من المجاهرة بعداوة أمير المؤمنين # وبغضه، ومعاندته، وذمه، والقدح فيه، وبذل الوسع في إخفاء حقه ومناقبه، وطمس محاسنه ومآثره، ومطالبتهم الناس بذلك، وحملهم عليه، ودعائهم إليه، حتى أظهروا لعنه والبراءة منه على المنابر تنفيراً للناس عنه، وتأنيساً لمن يولد ويستوفي أيامهم ببغضه والإنحراف عنه، ومعاملتهم من يعزو بأدنى ميل إليه واعتقاد لموالاته بالقتل والإستئصال، بل من اتُّهِمَ بشيء من ذلك كان لا يأمن إراقة الدم، وهتك الحرم، بل كان ربما يُؤَاخّذُ به جيرانُه وأقرباؤه، وبأيسر هذه الأسباب يصير الإنسان معها ملجأً إلى ترك إظهار ما لا يأمن معه بعض ما ذكرنا، ولا فصل بين من يُجَوِّزُ أن يعتمد الناس - مع هذه الأحوال - إظهار فضائل أمير المؤمنين # وما يُستدل به على إمامته، ويعرضوا أنفسهم له، مع غلبة الظن بأن الضرر العظيم يلحقهم، وغرضهم المقصود لا يتم لهم، وبين من يُجَوِّز على عاقل أن يعترض بقتل ملك من الملوك وحده مع غلبة الظن بأنه إذا حاول ذلك قُتل من دون أن يصل إلى المراد.
  ويبين صحة ما ذكرناه: أن الأحوال التي ذكرناها إذا كانت داعية للشيعة في ذلك الوقت إلى إخفاء ما يعتقدون من إمامة أمير المؤمنين وتفضيله # وإظهار خلاف ذلك، فبأن تكون داعية لهم إلى كتمان ما يحتج به على إمامته أولى.
  وإذا كان هذا هكذا صح ما ذكرناه أن جميع الأشياء التي تقتضي ظهور الأخبار كانت مفقودة في هذا الخبر الذي ذكرناه، إذ لا سبب يشار إليه سواه إلا والأحوال التي ذكرناها تمنع عنه وتحول دونه، لأن جميع ذلك لا يصح إلا بالتمكن والدواعي، وقد علمنا فَقْدَ الأمرين وانتفاءهما في هذه الأحكام.