الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[الأدلة على صحته]

صفحة 19 - الجزء 1

  فإن قال: إذا كانت هذه الأحوال التي ذكرتم لم تمنع متكلميكم الذين ذكرتموهم من إيراد هذا الخبر والإحتجاج به في تلكم الأيام، فما أنكرتم ألا يمنعهم أيضاً من تدليس هذا الخبر والتعمد لإشاعته وإذاعته؟.

  قيل له: الإحتجاج بالخبر في الكتب والتصانيف وإيداعه إياها لا تمنع منه أحوال الخوف كما تمنع من التعمد لإظهاره وإشاعته، وذلك أن إيداعه الكتب يمكن على وجه الإستتار، ويرجى التخلص من المضار بضروب من الإنكار فيه، وليس هذا بعذر لإشاعة الأخبار وإذاعتها، لأن هذا الباب يحتاج فيه إلى ضروب من التمكن والإختلاط بالناس ومواطأة كثير منهم، واستعمال وجوه من الحيل، ولا يمكن من شيء منها مع الأحوال التي ذكرناها، بل كان يجب أن يكون الإنسان معها ملجأ إلى ترك تعاطي ذلك على ما بيناه.

  فإن قيل: لنا ما أنكرتم أن يكون التدين ومحبة انتشار ما تنصر به المذاهب تدعو الناس إلى التعمد لإظهار هذه الأخبار، لأن المعلوم من أحوال الناس أنهم يتحملون الأخطار العظيمة حراسةً لمذاهبهم؟.

  قيل له: إنا لا ننكر هذا الذي ذكرت ولكن إذا لم يكن الحال حال الإلجاء وانقطاع الدواعي، فأما إذا كانت الحال حالاً تمنع من إظهار المذاهب فبأن تمنع من إظهار ما يحتج به للمذاهب كان أولى.

  فأما قولك: إن التدين يدعوا إلى هذا، فهو خطأ، لأن التدين يمنع من وضع الأخبار، إلا أن يكون واضعها ممن يتدين بجواز الكذب، والمعلوم من حال الشيعة خلاف ذلك.

  فإن قال: أليس عندكم أن كثيراً من الملحدة والغلاة وسائر المبطلين قد دسوا في أخبار المسلمين أخباراً كاذبة، وتوصلوا إلى إظهارها، مع تشدد المسلمين أجمع في النكير عليهم، وكونهم مقهورين مغلوبين، فما أنكرتم أن تكون هذه الطائفة قد دلست هذا الخبر وتعمدت لإظهاره وإذاعته، وإن كانت مغلوبة ومقهورة؟.

  قيل له: هذا يسقط من وجهين:

  أحدهما: أن هذه الأخبار التي ذكرتها لم تظهر ولم تشتهر كشهرة هذا الخبر، بل لم يبلغ ظهورها ظهور سائر الأخبار - أخبار الآحاد - السليمة من المطاعن، ألا ترى أنه لا خبر من هذه الأخبار إلا وقد عرفه أهل العلم من أصحاب الحديث وغيرهم بعينه، ووسموه بالطعن، وعرفوا الوقت الذي وُضع فيه، ونصوا في كثير منها على الواضع والمدلس، فكيف يُعَارَضُ خبرُنَا بهذه الأخبار؟. !