الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[إطباق العلماء على قبول خبر المنزلة]

صفحة 20 - الجزء 1

  والثاني: أن الأحوال التي وصفتها لم تمنع من وضع هذه الأخبار وتدليسها، لأن بني أمية لم يكونوا يتشددون على الملحدة ولا يتبعون أحوالهم كتشديدهم على الشيعة وتتبعهم لأحوالهم، وقد علمنا ضرورة أن الدواعي التي كانت تدعوهم إلى قصد هؤلاء لم تكن تدعوهم إلى قصد الملحدة وسائر المعطلة، بل المعلوم ضرورة من حال كثير من ولاة بني أمية الإشتهار بالإلحاد وتمكنهم الملحدة من إظهار ذلك، ولولا ظهور هذا الحال في هذا الباب لذكرناهم بأسمائهم.

[إطباق العلماء على قبول خبر المنزلة]

  ومنها: أن هذا الخبر قد أطبق العلماء على قبوله، لأن الشيعة قد احتجوا به لإمامة أمير المؤمنين # ولتفضيله، والمعتزلة تأولته على غير الإمامة، وكثير من شيوخهم احتجوا به في تفضيله، وأصحاب الحديث قد أدخلوه في الصحاح، والمعلوم من حالهم أنهم لا يوردون في الصحاح عندهم إلا ما يقبلونه، والمرجئة لم [يخل] عنهم برده، ولا الخوارج، لأن الذي لأجله نفرت الخوارج عن أمير المؤمنين # وجوه معروفة تتعلق بأفعاله في وقت مخصوص، لا أنهم أنكروا فضائله وردوا الأخبار الواردة فيها، بل قد أثبتوا إمامته إلى الوقت الذي مرقوا فيه، وهؤلاء هم الذين يعتبر إجماعهم في هذا الباب دون غيرهم من العوام، ولو كانت هذه الفرق لا تعتقد صحة هذا الخبر لكانت دواعيهم القوية إلى رد الشيعة عن الإحتجاج بهذا الخبر في إمامة أمير المؤمنين # تدعوهم إلى إظهار ذلك ومطالبة هؤلاء بالدلالة على صحته، لأن هؤلاء القوم مع عقولهم ومعرفتهم بالنظر وحدوده لا يجوزون أن يعدلوا في إظهار بيان فساد مذهب المخالف عن الأمر الواضح الجلي الذي لا يبقى معه شبهة على وجه من الوجوه، وهو بيان أن الخبر لا أصل له، ومطالبتهم بتصحيحه إلى التأويلات التي تخفى طرقها، ولا يظهر الحال فيها، وهذا كما نقول إن العرب لو كانت متمكنة من إبطال دعوى رسول الله ÷ بمعارضة القرآن لم تعدل إلى سائر ما عدلت إليه من المحاربة والمقاتلة التي لا يحصل معها الغرض المقصود.

  فإن قال: فما أنكرتم أن لا يكون في تأويل المعتزلة لهذا الخبر دلالة على قبولهم، لأن المعلوم من حالهم أنهم يتأولون ما يقبلونه من الأخبار كخبر الرؤية وغيره.