الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[إطباق العلماء على قبول خبر المنزلة]

صفحة 21 - الجزء 1

  قيل له: أما المعتزلة إنما تتأول الأخبار التي تقبلها، بعد تقديم الكلام في أنها لا يجوز قبولها، وأن نقلها نقل لا يوجب العلم، ربما اشتغلوا بالتأويل ولا يحل عندهم غير هذا، لأن في ترك ذلك إيهام أن الخبر مما يوجب العلم.

  فإن قال: أليس أبو عثمان الجاحظ قد حكى عن قوم من العثمانية أنهم ردوا هذا الخبر، وادعوا أنه لا أصل له، فلم قلتم إن أهل العلم قد أطبقوا على قبوله؟.

  قيل له: القول الذي يظهر الإطباق عليه في عصر بعد عصر لا يؤثر فيه حكاية خلاف عن قوم، إلا أن هذا لو شاع لم يصح القطع على وقوع الإجماع على قول من الأقوال، لأن ذلك مما يمكن ادعاء الخلاف عن قوم فيه.

  والذي يبين أن هذا الخلاف لا أصل له، وأنه حدث على وجه عرف أهل العلم أنه مما لا يعتد به لسبق الإجماع: أنه لو كان وجد على وجه يؤثر في هذا الإجماع لكان يجوز أن لا يختص بمعرفته وحكايته الجاحظ دون سائر أهل العلم والنظر، الذين يحاربون الشيعة في الإمامة، لعلمهم بأن هذا أوكد الحجج في دفع الشيعة عن الإحتجاج بهذا الخبر، فكان لا يجوز أن يتفق الجماعة على السكوت عنه وترك حكايته إلا رجل واحد، مع تساويهم في قوة الدواعي إلى ذلك، وهذا كما نقول إن القرآن لو كان عورض لوجب أن يكون نَقلُ معارضته أشهرَ من نقل القرآن، لأن الدواعي كانت تدعوا إلى نقلها من حيث بان بها أن القرآن شبهة وليس بحجة، وإن كان هذا هكذا أجريت حكاية هذا الخلاف مجرى سائر الحكايات التي لا يعتد بها.

  أما أنها لا أصل لها: فلأن القول الذي ذهب إليه ذلك المخالف علم سقوطه، كما حكي عن بعضهم أن حرب الجمل وصفين لا أصل له.

  فإن قيل: أليس قد حكي هذا القول عن الكرابيسي، فلم قلتم إن هذه الحكاية لا أصل لها؟.

  قيل له: إنا لم نقطع على أن الحكاية لا أصل لها، وإنما بينا أنها إما أن لا يكون لها أصل، أو يكون المخالف فيها ممن لا يعتد بقوله لسبق الإجماع له، فالكرابيسي إن كان قال ذلك فالإجماع قد سبقه وهو محجوج به، فحكمه حكم سائر من يخرق الإجماع، وهذا كما يقوله أصحابنا إن القياس لما صح الإجماع عليه قبل النظام وغيره فمن خالف فيه لم يعتد بخلافه، وهو أجل من الكرابيسي.