الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[دلالة خبر المنزلة على الخلافة]

صفحة 27 - الجزء 1

  وإذا كان هذا هكذا لم يمتنع أن يستخلفه موسى # بأن يجعل إليه التصرف في الأمور التي لم يجز الإستبداد بإمضائها، والتفرد بالتصرف فيها منفرداً به من غير أن ينتظر أذنه ورضاه بتصرفه في شيء، وإذا كان الأمر على ما بيناه ولم ينافِ كون هارون # مستحقاً للتصرف في هذه الأمور على الأمر الذي ذكرنا أعني كونه خليفة لموسى # فيها.

  والثاني: أنا قد بينا أن مجرد النبوة لا تقتضي استحقاق هذه المنزلة، وأنه لا يمتنع كون نبي غير مكلف بالتصرف في هذه الأمور، وإذا كان هذا هكذا فمشاركة هارون لموسى @ لا تقتضي مشاركته إياه في استحقاق هذه المنزلة، إذ لا يمتنع أن يكون شريكه في التبليغ والتأدية فقط، دون التصرف في الأمور، ويكون تصرفه فيها على وجه الخلافة له، بل هذا هو الظاهر من حاله.

  ومما يجاب به عن هذا السؤال: أنا لا نفتقر في الإستدلال بالخبر إلى أن نبين أن هذه المنزلة كانت حاصلة لهارون من قبل موسى @، بل الإستدلال صحيح سواء بينا ذلك أو لم نبينه، وذلك أن ظاهر الخبر إنما دل على أن المنزلة التي كانت لهارون #، وهي التصرف على أمة موسى #، فيما يتصرف فيه الأئمة على المأمومين والرعاة على الرعية كانت ثابتة لأمير المؤمنين # من حيث شَبَّهَهُ به.

  والكلام في أن هذه المنزلة حصلت للمشبه به من قبل الله تعالى ابتداء وعلى طريق الخلافة لا يحتاج إليه في المواضع الذي نريد بيانه، لأن الذي يفيده الخبر هو القدر الذي بيناه من اشتراكهما في هذه المنزلة المستحقة، فأما العلم بها في أي جهة استحقت فإنما يحصل ذلك بنظر آخر.

  فإن قال: الظاهر يمنع من هذا الذي ذكرتم، لأن قول النبي صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الطاهرين «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» @ يقتضي أن تكون هذه المنزلة حصلت له من قبله كحصولها لهارون من قبل موسى @.

  قيل له: الظاهر لا يدل على ما ذهبت إليه، بل قوله (أنت مني بمنزلة كذا) ليس يقتضي أن المنزلة التي أضافها إليه حصلت له من قِبَلِِهِ، لأن ذلك لو اقتضى ما ظنه السائل لكان قول القائل لغيره أنت مني بمنزلة أبي مني أو أخي مجازاً ولا يكون حقيقة، لأن أباه لا يجوز أن يكون اختص بكونه أباً له يجعله إياه كذلك، ولا أخاه، وإن كان هذا هكذا فقولنا أنت مني إنما تفيد ما يفيده قول القائل أنت عندي