الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[بيان متى يستحق أمير المؤمنين # الخلافة]

صفحة 32 - الجزء 1

  بظاهر الخبر من دون أن نراعي السبب والظاهر، والعمومات لا يجب قصرها على الأسباب، وإذا كان هكذا فالسبب الذي أوردة السائل لا يؤثر في الدليل على وجه من الوجوه.

  على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله لم يقل هذا القول لأمير المؤمنين # في ذلك الوقت فقط، بل أتت الروايات أنه قال له ذلك في مواطن كثيرة وأحوال مختلفة، حتى أنه روي عنه صلى الله عليه وآله يوم غدير خم أيضاً، إلا أن الطرق إلى هذه الأحوال والمواطن هي أخبار الآحاد، والتواتر هو لفظ الخبر، والأحول لا تعتبر من الدلالة.

  والثاني: أن ما ذكره السائل من أن الإستخلاف يجب أن يزول بعود المستخلِف وحضوره، فاسد أيضاً، لأن ذلك إنما يجوز زواله إذا علم أن القصد بالإستخلاف هو حال الغيبة فقط، فأما لو استخلف بعض الولاة الغير استخلافاً مطلقاً عند غيبته في موضعه لكان عوده لا يوجب عزله إذا لم يعلم أن قصده استخلافه إياه كان مدة غيبته.

  فأما الوجه الثاني الذي أورده السائل في باب هارون #، فليس فيه أكثر من ادعاء عزل هارون #، وأن خلافته زالت بعودة موسى #، بل قد بينا في ما تقدم أنه # كان خليفة لموسى # خلافة مطلقة لا تختص بوقت دون وقت.

  فإن قال: لو كان أمير المؤمنين استحق التصرف في هذه الأمور في حال حياة رسول الله صلى الله عليه وآله على ما حكيتموه عن بعض أسلافكم، لوجب أن ينقل تصرفه فيها وإمضائه لها، لأن هذه من الأمور الشائعة العظيمة، التي لا يجوز كتمانها إذا كانت، فلا بد من تواتر النقل بها؟.

  قيل له: هذا لا ننكره، لأنا إنما قطعنا على استحقاقه لها ÷، ولم نقل إنه تصرف فيها، بل لا يمنع أن يكون التصرف لم يقع على هذا الحد الذي ذكر السائل، في أن التصرف على هذا الحد إنما يسوغ للخليفة في حال غيبة المستخلف، فأما مع حضوره فليس له ذلك، فكان أمير المؤمنين # ملازماً للنبي صلى الله عليه وآله لا يفارقه في أكثر الأحوال، ونقول إنه لو فارقه صلى الله عليهما بعد ما قال فيه # هذا القول فكان له أن يتصرف في هذه الأمور على الحد الذي يتصرف فيه الخليفة في حال غيبة المستخلف.