الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[بيان متى يستحق أمير المؤمنين # الخلافة]

صفحة 33 - الجزء 1

  ويبين صحة ما قلناه ويشهد له: تواتر النقل، من حيث لا خلاف بين أهله فيه، أن رسول الله ÷ ما وجه بسرية فيها أمير المؤمنين # إلا وأَمَّرَهُ عليها، ولم يُؤَمَّرْ عليه أحدٌ في وقت من الأوقات، وهذا من أدل الدلالة على أنه صلى الله عليه وآله كان يؤهله لهذا الأمر العظيم، ويجعل هذه الأمور طريقاً إلى تأنيس الأمة بطاعته والإنقياد له، تنبيهاً على أنه # هو المستحق للرياسة على الكافة، وأن أحد من أمته لا يصلح أن يكون رئيساً عليه.

  فإن قال: ولم قلتم إن أمير المؤمنين # استحق بهذا القول أن يكون خليفة رسول الله ÷ متى غاب عنه، مع ورود الأخبار بأنه قد غاب عنه صلى الله عليه وآله إلى مواضع وكان أميرها بغيبته سواه، [بعثه] إلى مكة بقراءة سورة براءة على المشركين وأمير الموسم في تلك السنة أبو بكر، وكذلك لما غاب عنه صلى الله عليه وآله إلى تبوك كانت إمارة المدينة إلى ابن أم مكتوم وهذا يدل على خلاف ما ذهبتم إليه؟.

  قيل له: الأخبار مختلفة في هذا الباب، قد روي عن أمير المؤمنين لما أخذ سورة براءة من أبي بكر رجع إلي المدينة وخرج أمير المؤمنين إلى مكة متولياً لأمر الموسم ولقراءة براءة على المشركين، ومن الناس من روى ما قاله السائل.

  وكذلك اختلف في أمر المدينة، فمن الناس من قال إن رسول الله ÷ استخلف عليها ابن أم مكتوم، ومنهم من ذهب إلى أنه أستخلف محمد بن مسلمة، وأكثر الروايات أن رسول الله ÷ استخلف عليها أمير المؤمنين #، وإلى هذا ذهب أكثر المتكلمين ونقلة الأخبار والمغازي، وإذا تعارضت الأخبار على هذا الخبر، فأكثر ما فيها أن يوقف على مقتضاها، فلا يكون لأحد من المتنازعين حجة فيها، وجملة ما نقوله في هذا الباب أن أمير المؤمنين # استحق بدلالة هذا الخبر بعد ما قال رسول الله ÷ ما قال أن يكون خليفة على أمته عند غيبته عنه وبعد وفاته.

  ولسنا نقطع على تاريخ الخبر فإن طرقه من الآحاد التي لا توجب العلم، فإن ثبت أنه # غاب إلى موضع من المواضع وكان خليفة رسول الله ÷ فيه غيره، وقطعنا أن ذلك كان قبل هذا الخبر الذي اقتضى استخلافه # إياه، والتواريخ تدل على أن هذه