الكلام على الخوارج فيما أنكروه من التحكيم
  فإن قالوا: إن القوم لو دعوه إلى مقارتهم على ترك صيام شهر رمضان أو ترك الحج أو بعض أركان الشرائع مدة والتمسوا التحكيم في ذلك هل كان يجوز أن يجيبهم إليه؟.
  فإن قلتم: لا يجوز ذلك، فما الفصل بين هذا وبين مقارتهم على ترك طاعته والإنقياد له إلى أن ينتصب الحكم؟.
  قيل له: هذه الأمور التي ذكرتموها معلوم وجوبها ضرورة من دين النبي ÷، وكان سبيلهم في هذا الباب سبيل الكفار فكان لا يجوز مقارتهم عليه على ما يقار عليه البغاة من أهل القبلة، وليس هذا حالهم إذا خالفوا الإمام، فهذا هو الفصل بين الأمرين، على أن الكفار أيضا يجب مهادنتهم إذا التمسوها متى دعت إليها الحاجة، وإذا التمسوا من الإمام إنفاذ من يبين لهم أدلة الدين، ويورد الحجج عليهم، ويحل شبههم، وجب عليه أن يفعل ذلك متى غلب على ظنه أنه يؤدي إلى النفع.
  فإن قال: إذا كان # قد رضي بحكم الحكم الذي أنفذه وكان ما حكم به معصية، وجب أن يكون راضياً بها، لأن الرضى بالمعصية معصية، ووجب أن ينخلع بخلعه إياه؟.
  قيل له: هذا ظاهر الفساد، لأنه # حكمه بشرط أن يحكم بما في كتاب الله تعالى، وقال: لأصحابه # (أحكمه على هذا الشرط، فإن حكم به فحكم الكتاب هو الدال على أمرنا، وإن لم يحكم به فحكمه ساقط عنا وعن المسلمين) وقد علمنا أن حكم الكتاب والسنة كان يقتضي وجوب طاعة أمير المؤمنين ويمنع من مخالفته، فلما لم يحكم به لم يلزم حكمه، وكان تبعة حكمه راجعة عليه، ولم يجب أن يكون أمير المؤمنين # راضياً به، وكيف يرضى وقد خالف الشرط الذي حكمه عليه #، كما لا يجب أن يكون النبي صلى الله عليه وآله راضياً بما كان من خالد حين أمره على الجيش من قتل من لم يستوجب القتل، لما خالف الشرط الذي أمره عليه صلى الله عليه وآله، ولهذا قال «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد».
  وأما قوله يجب أن ينخلع بخلعه: فهو جهل عظيم، لأن الإمام لا ينخلع بخلع واحد لا سيما إذا كان منصوصاً عليه من النبي صلى الله عليه وآله، ولو أن الإمام قال: خلعت نفسي، لم يوجب هذا