فصل في أن الإمامة لا يستحقها إلا الأفضل ولا يجوز العدول فيها إلى المفضول لعلة من العلل
فصل في أن الإمامة لا يستحقها إلا الأفضل ولا يجوز العدول فيها إلى المفضول لعلة من العلل
  والدليل على ذلك إجماع الصحابة على أن الإمامة لا يستحقها إلا الأفضل، وأن زيادة الفضل معتبرة فيها، لأنهم كانوا بين مصرح بهذا القول، وبين ساكت عن نكيره سكوت راض به ومنقاد له، ألا ترى أن أحداً ما اعترض لأمير المؤمنين # يوم الشورى لما أراد أن يبين كونه أولى بالإمامة من الجماعة التي قرنت به مع كونه أفضلهم، فأورد فضائله التي اختص ما دونهم، وسوابقه التي تفرد بمزيتها وبرز فيها عليهم، فأخذ يقول أنشدكم بالله أهل فيكم من أحد سبق إلى كذا وكذا كما سبقت أنا، أو فعل كيت وكيت كما فعلت أنا، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله كذا كما قاله في، أو اختص بكذا كما خصصت به، ولم ينكر عليه أحد ذلك ولا قالوا له وما في كونك أفضل مما تستوجب به الإمامة، فإن الإمامة ليست مقصورة على الأفاضل دون المفصولين، هذا مع محبة فريق منهم لصرف الإمامة عنه، وشدة دواعيهم إلى ذلك، حتى احتجوا عليه لما امتنع من قبول البيعة على العمل بسنة أبي بكر وعمر، واقتصر على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، ولو كانوا مخالفين له على أن الإمامة لا يستحقها الأفضل لكانوا يردوا قوله واحتجاجه من هذا الوجه أولى مما تعلقوا به من الشبهة الضعيفة، ولما قال عمر لأبي عبيدة: (هات يدك أبايعك) قال: (مالك في الإسلام فهه غير هذا القول) هذا وأبو بكر حاضر منكراً عليه تقديمه لما كان يعتقد فيه أنه أفضل منه، ولما أنكر على أبي بكر تولية عمر وقيل له: (ما تقول إذا وردت على ربك وقد وليت علينا فضاً غليظاً) قال: (أ بالله تخوفونني، أقول وليت عليهم خيراً أهلك في نفسي) وفي بعض الأخبار (وليت عليكم خيركم في نفسي) فلم ينكروا عليه هذا القول ولا قالوا له ما في كونه أفضل عندك مما يوجب صرف الإمامة إليه، ولما طعن عمر اختار ستة كانوا عنده أفضل الجماعة، ولم يضم إليهم من هو دونهم عنده في الفضل، حتى أنه لما سئل ضم عبد الله إليهم امتنع من ذلك، وإذا كان هذا هكذا بان بهذه الجملة أن الصحابة كانوا بين مصرح بأن الإمامة لا يستحقها إلا الأفضل قولاً، وبين ساكت عن نكير ذلك سكوت راض به غير مخالف فيه، وهذا يقتضي إجماعهم على ما ذهبنا إليه.