فصل في أن الإمامة لا يستحقها إلا الأفضل ولا يجوز العدول فيها إلى المفضول لعلة من العلل
  فإن قال: ما أنكرتم أن تكون هذه الطريقة التي اعتمدتموها تقتضي كون أبي بكر وعمر أفضل الصحابة، لأن أبا عبيدة صرح بتفضيل أبي بكر ولم ينكر ذلك عليه، وأبو بكر صرح بتفضيل عمر ولم ينكر ذلك عليه أيضا؟.
  قيل له: هذا توهم بعيد، لأن أبا عبيدة لم يصرح بتفضيل أبي بكر على الجماعة، وإنما أومئ إلى تفضيله على نفسه، وكذلك أبو بكر لم يقل وليت عليكم خيركم مطلقاً، وإنما قال وليت عليكم خيركم في نفسي، فلم يكن هناك للإنكار موضع، لأن إخبار الإنسان عن غالب ظنه فيما جرى هذا المجرى مما لا ينكر.
  فإن قال: ما قولكم في الإمام إذا ظهر في أيامه من هو أفضل منه، أتقولون إن ذلك يقدح في إمامته، ويلزمه تسليم الأمر إلى الأفضل، أو لا يلزمه ذلك فقد جوزتم إمامة المفضول؟.
  قيل له: لا يلزمه تسليم الأمر إلى غيره، ولا يؤدي ذلك إلى القول بإمامة المفضول، لأن من ليس بإمام وإن كان قد يساوي الإمام في جميع خصاله ويفضل عليه فإن الإمام قد فضله بالسبق إلى الدعوة، والنهوض بالأمر وتوطين النفس على تحمل المشقة في ذلك، وهذه فضيلة لا يساويها سائر مزايا الفضل التي لا يختص بها غيره، فهو على كل حال أفضل من غيره.
  فإن قال: ليس في سبقه له بالأمر أكثر من التقدم في الزمان، والتقدم في الزمان والتأخر فيه لا صنع لأحد فيهما، فمن أين يكون السابق أفضل من التالي؟.
  قيل له: لا يمتنع أن يكون السبق في هذا الباب يقتضي زيادة الفضل حتى لا يجوز أن يساويه فيها التالي، كما أن الذين سبقوا إلى نصرة النبي ÷ قد علمنا أنهم أفضل ممن بعدهم إذا تساوت الأحوال، وإن لم يكن لهم صنيع في تقدم زمانهم، فكذلك الإمام إذا سبق بالدعوة على الوجه الذي بيناه.
  ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال: الأفضل إنما يعتبر في وقت الدعوة، فأما بعد تقررها وسبق السابق إليها فلا اعتبار بذلك.
  فإن قال قائل: هذا الذي ذكرتموه إنما يدل على أن الأفضل هو الأولى بالإمامة، فما الذي يدل على أن العدول عنه إلى المفضول لا يجوز لبعض الموانع؟.