الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

فصل في أن الإمامة لا يستحقها إلا الأفضل ولا يجوز العدول فيها إلى المفضول لعلة من العلل

صفحة 82 - الجزء 1

  قيل له: الذي يدل على ذلك أنه قد ثبت بما ذكرناه أن يكون الأفضل شرطاً في الإمامة، كما أن كونه من قريش شرطاً فيها، وكما أن كونه فاضلا من شرائطها، لأن الطريقة التي يعلم بها أن كونه من قريش شرطاً فيها يعلم بمثلها أن كونه أفضل من شرائطها، وإذا كان الأمر على هذا فاطراح هذا الشرط والعدول عنه لا يصح إلا بدليل شرعي، لأن الإمامة هي من أحكام الشريعة، ولا دليل يسوغ تركه، كما أنه لا دليل يسوغ ترك اعتبار المنصب المخصوص.

  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون الدليل على ذلك إطباق الصحابة على أبي بكر وعمر وعثمان مع قيام الدلالة على أن أمير المؤمنين # أفضل منهم وهذا دليل شرعي؟.

  قيل له: ما أطبقت الصحابة على إمامة هؤلاء قط، وقد بينا الكلام في هذا الباب واستوفيناه فيما تقدم وذلك يسقط هذا السؤال.

  فإن قال: فما قولكم في الأفضل إذا كانت فيه علة مانعة من النهوض بالأمر كالعمى والزمانة وما يجري مجراها، أتقولون إن العدول عنه إلى المفضول يجوز، فإن جوزتم فقد قلتم بإمامة المفضول عند حصول الموانع؟.

  قيل له: هذا لا يلزم، لأنا قد بينا أن الفضل الذي يعتبر في باب الإمامة هو استكمال الرجل للخصال التي يحتاج إليها في الأمور التي تقوم بها الأئمة، دون استحقاق زيادة الثواب وما يجري مجرى ذلك، وإذا كان هذا هكذا متى حصلت فيه علة مانعة عن النهوض بالأمر فقد خرج من أن يكون أفضل في باب الإمامة.

  فإن قال: إذا كان الغرض بالإمامة هو التوصل إلى إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن يغلب في الظن أن نصبه أدى إلى هذا الباب وجب أن يكون أولى وإن كان مفضولاً؟.

  قيل له: لو كان هذا عذراً في العدول عن الأفضل لجاز أن يكون عذراً في قريش في باب الإمامة، وأن يجعل ذلك علة في أن اعتبار المنصب المخصوص غير شرط، فلما لم يجز ذلك لم يجز أيضا العدول عن الأفضل من حيث أن اعتبار حال الأفضل من شرائطها.

  ألا ترى أن من الناس من جعل هذا الوجه بعينه علة في جواز الإمامة في أفناء الناس فقال: إذا نصب من يرجع إلى نسب دني كالحبش ومن يجري مجراهم كان عزله أسهل ممن زاغ عن الطريقة المستقيمة.