فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

طرق العلة الصحيحة وأقسامها وصورها، والنص وصوره وأقسامه

صفحة 162 - الجزء 1

  وابن الحاجب، وأولها: الإجماع وإنما قدمه على النص الذي هو أصله، لأن الإجماع أقوى ولأن النص تفاصيله كثيرة، والمراد بذلك أن ينعقد الإجماع على تعليل الحكم بعلة معينة كإجماعهم في حديث مسلم والترمذي والنسائي «لا يحكم أحدٌ بين اثنين وهو غضبان»، على أن علته شغله القلب وثانيها: النص وهو نوعان: صريح وهو اللفظ الدال على العلية صريحًا بوضعه وهو ما أشار إليه الناظم بقوله: (إنْ أُتي) بصيغة المجهول أي أتى فيه بإحدى أدوات العلة أي حروفها مثل: لعلةِ كذا أو لأجل كذا، وهذه اللام تسمى لام الغرض ولا تدخل إلا على المصادر، والأفعال المضارعة، ولا تدخل على الأسماء الجامدة، وأما قولهم: جئتك للسمن فمرادهم أي لأجل السمن وقد تجيء للعاقبة مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ}⁣[الأعراف: ١٧٩].

  واعلم أن مراتب الصريح أربعٌ: أقواها: النص على التعليل بحيث لا يحتمل غير العلية كالتصريح بلفظ العلة أو عن التعليلية، كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}⁣[المائدة: ٣٢]. أو بِكَيْ كقوله تعالى: {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا}⁣[طه: ٤٠]. أو بإذًا نحو: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ}⁣[الإسراء: ٧٥]. ثم ما هو ظاهر فيه محتمل غيره كلام التعليل، وباءِ السببية وأنْ بالفتح مخففة ومثقلة الداخلة على ما لم يبق للمسبب ما يتوقف عليه سواه نحو: لأنه⁣(⁣١) كذا وذلك لمجيء اللام لنحو العاقبة والباء لنحو المصاحبة وأن للزوم من دون سببية، ولثبوت أمر على تقدير آخر على طريق الاتفاق نحو: لأن كان الإنسان ناطقًا فالحمار ناهق، ثم ما دخلت عليه الفاء⁣(⁣٢) وَهِيَ إما أن تدخل على العلة الغائية المتأخرة عن الحكم كقوله ÷ في المُحْرِمِ الذي وَقصَتْهُ الناقة: «لاَ تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ⁣(⁣٣) يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وإمَّا على الحكم المعلل نحو: {(⁣٤) فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٣٨}⁣[المائدة: ٣٨] وذلك لأن الفاء في أصل الوضع للترتيب، والباعث أعني العلة الغائية مقدم عقلًا متأخر خارجًا، فجوز ملاحظة الأمرين (أعني: تقدمها عقلًا وتأخرها خارجًا) دخول الفاء على كل من العلة والحكم، والفاءُ لم توضع للعلية بل للترتيب، ثم تفهم مِنْهُ


(١) نحو: أكلت العسر لأنه حلو، فإنه لم يبق للمسبب أعني المعسل ما يتوقف عليه سوى الحلاة، تمت مؤلف.

(٢) هي ما يكون ما بعدها علةً لما قبلها فهي للتعليل كما ترى، تمت مؤلف.

(٣) علة لعدم المس والتخمير تمت مؤلف.

(٤) وهذه الفاء للتفريع وهو أن يكون ما قبلها علةً لما بعدها كالمثال.