باب الاعتراضات الواردة على القياس
  القصاص كالمكره، فيقول المعترض: الضابط مختلف، فإنه في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة، ولم يعتبر تساويهما في المصلحة فقد يعتبر الشارع أحدهما دون الآخر، وجوابه: إما بأن الضابط هو القدر المشترك، وهو التسبب، أو بأن إفضاءهُ في الفرع مثل إفضائه في الأصل أو أرجح مِنْهُ فتثبت التعدية، كما لو جعلنا الأصل في مسألة القصاص من الشهود، هو المغري للحيوان على القتل، فيقول المعترض الضابط في الأصل الإغراء، وفي الفرع الشهادة، فيجاب بأن إفضاء التسبب بالشهادة أقوى من إفضاء التسبب بالإغراء، فإن إنبعاث أولياء المقتول على قتل من شهدوا عليه بأنه قتله طلبًا للتشفي، وثلج الصدر بالانتقام أغلب من إنبعاث الحيوان على قتل من يُغري هو إليه، وذلك سبب نفرته عن الآدمي، وعدم علمه بالإغراء. فإذا اقتضى الإغراء أن يقتص من المغري، فأولى أن تقتضي الشهادة الاقتصاص من الشهود لذلك، ولا يضر اختلاف أصلي السبب، وهو كونه شهادة أو إغراء، فإن حاصله قياس التسبب بالشهادة على التسبب بالإغراء، أو يجاب بإلغاء التفاوت في القصاص لمصلحة حفظ النفس بدليل أنه لا يفرق بين الموت بقطع الأنملة وبينه بضرب الرقبة فيجب بهما القصاص، وإن كان أحدهما أشد إفضاء إلى الموت. وقال ابن الحاجب وغيره: إنه لا يجاب هذا السؤل بإلغاء التفاوت؛ لأنه لا يلزم من إلغاء فارق معين إلغاء كل فارق، فقد أُلْغيَ علم القاتل وذكوريتُه وصحته وعقله لا إسلامه وحُرِّيَّتَهُ، فيقتل العالم والذَّكَرُ والصحيح والعاقل بمن لم يكن كذلك، ولم يقتل الحرُّ بالعبد والمسلم بالكافر. ثم أشار إلى النوع العشرين بقوله:
الأعْتِرَاضُ العِشْرُون
  ٣٤٥ - وبعدَهُ اختلافُ جِنْسِ المَصْلَحهْ ... في الأصلِ والفرعِ كما قد أوضحَهْ
  هذا النوع العشرون من الاعتراضات، وهو اختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع، مثاله أن يقول المستدل: يحد باللواط كما يحد بالزنا؛ لأنه إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعًا محرم شرعًا، فيقول المعترض اختلفت المصلحة في تحريمهما، ففي الزنا منع اختلاط النسب المفضي إلى عدم تعهد الأولاد، وفي اللواط دفع رذيلتهِ، وقد تتفاوت في نظر الشارع، وَجَوَابُهُ: ببيان استقلال الوصف بالعلية من دون تفاوت. ثم أشار إلى [الاعتراض] الحادي والعشرين بقوله: