فصل في المنطوق والمفهوم
  عقليان أم شرعيان؟ فذهب أئمتنا والمعتزلة إلى الأول، وذهب جمهور الأشعرية إلى الثاني وبعضهم فصَّلَ، فقال: أما حسن الشيء بمعنى كونه متعلقًا للمدح عاجلًا، وقبحه بمعنى كونه متعلقًا للذم عاجلًا فعقليان، وأما حسنه بمعنى كونه متعلقًا للثواب آجلًا وقبحه بمعنى كونه متعلقًا للعقاب آجلًا، فشرعيان، وأدلة كل قول مبسوطةٌ في الكتب الكلامية، إذا عرفت هذا فاعلم أنهم اختلفوا في الأشياء قبل ورود الشرع، فعند أئمتنا والجمهور: الأصل فيها الإباحة حتى يرد حظر شرعي، وقال بعض الإمامية والبغدادية والفقهاء: بل الأصل الحظر حتى ترد إباحة شرعية، وتوقف الأشعري وبعض الشافعية بمعنى لا يُدرى هل هناك حكم أم لا؟ ثم إن كان هناك حكم فلا يدرى هل هو حظر أم إباحة؟ فكانت الأقوال ثلاثة: الإباحة، والحظر، والتوقف، قال بعض المحققين: ولا ثمرة للخلاف بعد الشرع لنصه على حكم كل ما يمكن القول فيه بحكم العقل. والله اعلم. قوله:
فصل في المنطوق والمفهوم
  ٣٧٣ - وَكُلُّ مَا دلَّ عليهِ اللفظُ فِيْ ... محلِّ نُطقٍ فاعتبرْهُ واكتَف
  ٣٧٤ - بِأَنَّهُ المنطوقُ والمفْهُوْمُ ... خلافُهُ وَهْوَ إذًا مَعْلُومُ
  أشار إلى تفسير المنطوق والمفهوم، والمراد إنما يفهم من الخطاب سواءً كان مفهومًا بالمعنى المصطلح، أو منطوقًا، فهو ينقسم إلى المنطوق والمفهوم، ثم أشار إلى الحد الذي ذكره صاحب «الكافل» وصاحب «الفصول»: أنه ما دل عليه اللفظ في محل النطق فما: موصوفة بمعنى شيء، وهو عبارة عن معنى أي هو معنى دل عليه اللفظ وسواء كانت الدلالة مطابقة أو تضمنًا(١)، أو التزاماً كما سيأتي. فتدخل فيه الحقيقة والمجاز، والكناية، وبقوله: فِيْ محلِّ نُطقٍ: خرج المفهوم إذ دلالته: لا في محل النطق، والمراد أن المنطوق يكون مستفادًا من ظاهر اللفظ وصريحه، وقد أورد على هذا الحد أنه يستلزم إقامة الظاهر مقام المضمر؛ لأن النطق عبارة عن المنطوق الذي هو المعنى، ويستلزم ذكر المحدود في الحد، ولو جعلت ما: عبارة عن لفظ لزم إتحاد الدال والمدلول، فيكون معناه: لفظ دل عليه اللفظ،
(١) صاحب الكافل للطبري ١/ ٢٦٦، ٢٧٤، وصاحب الفصول ١/ ١٦٨ باب مفهومات الخطاب.