فصل في المنطوق والمفهوم
  إليه إشارة.
  قلت: هذا الحديث مما أطبق الفقهاء و الأصوليون على الاحتجاج به، وأطبق المحدثون على أنه باطل، لا أصل له، قال ابن حجر في «التلخيص»: لا شيء من الأحاديث الواردة في ذلك تدل على ما ذكر، وهذا الحديث بهذا اللفظ لا أصل له، قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة(١): فيما حكاه ابن دقيق العيد(٢) عنه في «الإلمام» ذكر بعضهم هذا الحديث، ولا يثبت بوجه من الوجوه، وقال البيهقي في «المعرفة»: هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا، وقد طلبته كثيرًا فلم أجده في شيء من كتب الحديث ولم أجد له إسنادا، قال ابن الجوزي هذا لفظ يذكره أصحابنا ولا أعرفه، وقال الشيخ أبو إسحاق في «المهذب»: لم أجده بهذا اللفظ، إلا في كتب الفقهاء، قال النووي في شرحه: باطل لا يعرف. وقال في «الخلاصة»: باطل لا أصل له، قال المنذري: لم يوجد له إسناد بحال، انتهى، قال القاضي صالح المقبلي | في «الأبحاث»(٣): فانظر تطبيق الفقهاء على الاحتجاج به، وتطبيق الأصوليين على التمسك به، واجعلها عبرة لما في معناها إن كنت من أهل النظر.
  قلت: ولا شك أن الحازم اللبيب لا يغتر بكلام الرجال، فيذهبوا - به من يمين إلى شمال، ولهذا قال أمير المؤمنين: (لا تنظر إلى من قال؟ وانظر إلى ما قال) انتهى.
  إذا عرفت هذا فقد بطل الاحتجاج بأن أكثر الحيض خمسة عشر يومًا، وأقل الطهر كذلك، كما هو مذهب الشافعي، وكذا بيان أن أكثره عشرٌ، وأقل الطهر عشرٌ، ولو سلمنا صحته؛ لأنه إنما يدل على تساوي المدتين، وليس فيه إشارة إلى عدد مخصوص، فتأمل.
  فائدة: النساء جمع المرأة نص عليه الرضي في «المجموع» ولا يطلق إلا على من جاوز حد البلوغ، كما أن الرجل كذلك. واعلم أن القول بأن دلالة الإشارة غير مقصودة من الكلام محل تأمل لاسيما في كلام الباري جل وعلى، فالأولى [إذاً] أن يقال: أنه سوق الكلام، أولًا وبالذات لغيرها، وإن كانت مرادةً ثانيًا وبالعرض، والله أعلم.
  واعلم أن الفرق بين غير الصريح والمفهوم أن غير الصريح من الأحول المدلول عليها
(١) أبو عبد الله بن مندة: محمد بن إسحاق الأصبهاني، محدث (ت ٣٩٥ هـ)، أعلام الزركلي ٦/ ٢٩.
(٢) محمد بن علي، أصولي شافعي متكلم، محدث (ت ٧٠٢ هـ) أعلام الزركلي ٦/ ٢٨٣.
(٣) للقاضي صالح بن مهدي المقبلي (ت ١١٠٨ هـ).