فصل في المنطوق والمفهوم
  عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}[البقرة: ٢٨٣] فإنه خرج مخرج الغالب والعادة؛ لأنه ÷ رهن درعه من أبي شحمة اليهودي(١)، في الحضر، وكذا فإنه كان الرجل إذا طمحت عينه إلى استظراف امرأة بهت التي تحتهُ ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء مِنْهُ، بما أعطاها ليصرفه إلى زوجٍ غيرها(٢)، فنزل قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ...} الآية [النساء: ٢٠]، والشرط الثاني: أن لا يكون جوابًا لسؤال مقتض لتعليق الحكم بالخاص مطابقة لسؤاله، كأن يُسأل ÷ هل في الغنم السائمة زكاة؟ فيقول: في الغنم السائمة زكاة. فلا يؤخذ مِنْهُ أن المعلوفة لا زكاة فيها؛ لأن الوصف إنما أتى به لمطابقة السؤال لا للقيد، والشرط الثالث: أن لا يكون لسبب حادثة متجددة كذلك، كقوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}[النساء: ٢٣]، فإن الآية نزلت لحادثة متجددة، وذلك حين تزوج النبي ÷ بزينب بنت جحش، وَهِيَ بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، حين فارقها زيد بن حارثة(٣)، وقال المشركون في ذلك، ونزل قوله تعالى: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}[الأحزاب: ٣٧]، وقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}[الأحزاب: ٤٠]، فالذين من أصلابكم لإخراج المتبنى فقط، وحينئذٍ يشمل زوجة كل ولد من نسب أو رضاع مدخولة أو غير مدخولة، وكقوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: ٢٨]، فلا يفهم مِنْهُ أن غير المؤمنين يجوز له موالاة الكافرين، الشرط الرابع: أن يكون لتقدير جهالة أي تقدير المتكلم جهالة السامع لحكم المسكوت عنه كأن يعتقد عدم وجوب الزكاة في السائمة، فيقول ÷: «في السائمة زكاة»(٤) أو غير ذلك المقدم ذكره، مما يقتضي تخصيص المذكور، بالذكر لغير الحكم مثل: أن يكون المسكوت عنه أوْلى بالحكم من المنطوق أو مساويًا له فيه، فإنه قد يستغنى بظهور الأولوية والمساواة عنه كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ}[الإسراء: ٣١]، لأن تحريم قتل الأولاد حال أمان الفقر أولى مِنْهُ حال خوفه فيرجع حينئذٍ إلى مفهوم الموافقة، أو لكون المذكور للتعيير كما في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا
(١) أبو شحمة اليهودي: هو الذي رهن لديه النبي ÷ درعه كما روته عائشة بالحديث رقم (١١٨٨٤) في تاريخ بغداد ٣/ ١٥٣.
(٢) إلى تزوج غيرها نسخة كافل الطبري ص ١٦٧.
(٣) زيد بن حارثة بن شرحيل أو شرحبيل الكلبي، صحابي (ت ٨ هـ) أعلام الزركلي ٣/ ٥٧.زينب بنت جحش، هي بنت رئآب الأسدية، زوجة النبي ÷ (٢٣ هـ - ٢٠ هـ) أعلام الزركلي ٣/ ٦٦.
(٤) الجامع الكافي ١/ ٣٣٨، أبي داود ٨/ ٨ رقم (١٤٤٧).