فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في المنطوق والمفهوم

صفحة 214 - الجزء 1

  عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}⁣[البقرة: ٢٨٣] فإنه خرج مخرج الغالب والعادة؛ لأنه ÷ رهن درعه من أبي شحمة اليهودي⁣(⁣١)، في الحضر، وكذا فإنه كان الرجل إذا طمحت عينه إلى استظراف امرأة بهت التي تحتهُ ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء مِنْهُ، بما أعطاها ليصرفه إلى زوجٍ غيرها⁣(⁣٢)، فنزل قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ...} الآية [النساء: ٢٠]، والشرط الثاني: أن لا يكون جوابًا لسؤال مقتض لتعليق الحكم بالخاص مطابقة لسؤاله، كأن يُسأل ÷ هل في الغنم السائمة زكاة؟ فيقول: في الغنم السائمة زكاة. فلا يؤخذ مِنْهُ أن المعلوفة لا زكاة فيها؛ لأن الوصف إنما أتى به لمطابقة السؤال لا للقيد، والشرط الثالث: أن لا يكون لسبب حادثة متجددة كذلك، كقوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}⁣[النساء: ٢٣]، فإن الآية نزلت لحادثة متجددة، وذلك حين تزوج النبي ÷ بزينب بنت جحش، وَهِيَ بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، حين فارقها زيد بن حارثة⁣(⁣٣)، وقال المشركون في ذلك، ونزل قوله تعالى: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}⁣[الأحزاب: ٣٧]، وقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}⁣[الأحزاب: ٤٠]، فالذين من أصلابكم لإخراج المتبنى فقط، وحينئذٍ يشمل زوجة كل ولد من نسب أو رضاع مدخولة أو غير مدخولة، وكقوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}⁣[آل عمران: ٢٨]، فلا يفهم مِنْهُ أن غير المؤمنين يجوز له موالاة الكافرين، الشرط الرابع: أن يكون لتقدير جهالة أي تقدير المتكلم جهالة السامع لحكم المسكوت عنه كأن يعتقد عدم وجوب الزكاة في السائمة، فيقول ÷: «في السائمة زكاة»⁣(⁣٤) أو غير ذلك المقدم ذكره، مما يقتضي تخصيص المذكور، بالذكر لغير الحكم مثل: أن يكون المسكوت عنه أوْلى بالحكم من المنطوق أو مساويًا له فيه، فإنه قد يستغنى بظهور الأولوية والمساواة عنه كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ}⁣[الإسراء: ٣١]، لأن تحريم قتل الأولاد حال أمان الفقر أولى مِنْهُ حال خوفه فيرجع حينئذٍ إلى مفهوم الموافقة، أو لكون المذكور للتعيير كما في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا


(١) أبو شحمة اليهودي: هو الذي رهن لديه النبي ÷ درعه كما روته عائشة بالحديث رقم (١١٨٨٤) في تاريخ بغداد ٣/ ١٥٣.

(٢) إلى تزوج غيرها نسخة كافل الطبري ص ١٦٧.

(٣) زيد بن حارثة بن شرحيل أو شرحبيل الكلبي، صحابي (ت ٨ هـ) أعلام الزركلي ٣/ ٥٧.زينب بنت جحش، هي بنت رئآب الأسدية، زوجة النبي ÷ (٢٣ هـ - ٢٠ هـ) أعلام الزركلي ٣/ ٦٦.

(٤) الجامع الكافي ١/ ٣٣٨، أبي داود ٨/ ٨ رقم (١٤٤٧).