فصل في الحقيقة والمجاز
  فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} الآية [النور: ٣٣]، بأن من ليس بأهل للعفة قد أرادها دون أهلها أو معهودًا فيكون بمنزلة اللقب الذي يحتاج إليه في التعريف ولا تدل على نفي الحكم عما عداه كلو اشتهر رجل بالعالم فقلت جاءني العالم، أو لزيادة الامتنان كقوله تعالى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}[النحل: ١٤]، فلا يؤخذ مِنْهُ منع القديد أو للتفخيم كحديث: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت ...»(١) الخبر، فلا يؤخذ مِنْهُ الحل لمن لا تؤمن بالله واليوم الآخر أو الخوف من ظالم، أو لمجرد المدح أو الذم نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﷽، أو للتوضيح، فإن جاءت محتملة له وللتخصيص جاء الإجمال في المفهوم كما في قوله ÷ لما استعار من صفوان بن أمية أَدْرَاعًا، قال: أغصبًا يا محمدُ أم عارية؟: بل (عارية مضمونة). يحتمل الإيضاح، وأن شأن العارية ذلك فيكون الضمان فيها حكمًا للعارية مطلقًا، كما ذهب إليه الشافعية، وتحتمل التخصيص، أي مشروطًا فيها الضمان، فلا تكون العارية مضمونة حتى يكون فيها ذلك كما ذهب إليه أصحابنا والحنفية، ومن ذلك أن يراد به التكثير بالعدد، كالألف والسبعين مما يستعمل في لغة العرب للمبالغة، وكالتهويل، نحو: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}[آل عمران: ١٣٠]، والله أعلم.
فصل في الحقيقة والمجاز
  ٤٠٨ - وإن تُرِدْ أن تعرف الحقيقهْ ... لكيْ تكونَ حاميَ الحقيقهْ
  ٤٠٩ - فَإِنَّهَا الكِلْمَةُ حيثُ استُعْمِلَتْ ... بِذَاتِهَا فِيْمَا لَهُ قَد وُضِعَتْ
  ٤١٠ - فِي إِصْطِلَاحٍ يَقَعُ التخاطُبُ ... بِهِ كمَا يَعرفُهُ المُخَاطَبُ
  أشار إلى بيان معنى الحقيقة والمجاز، وبدأ بالحقيقة؛ لأنها الأصل وَهِيَ في الأصل فَعِيلٌ بمعنى فاعل من حق بمعنى ثبت ومفعولة كالنطيحة بمعنى المنطوحة من حققت الشيء إذا أثبته نقل إلى الكلمة الثابتة أو المثبتة في مكانها الأصلي والتاءُ فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية، ومعنى كونها للنقل كذلك أن اللفظ إذا صار بنفسه اسمًا لغلبة الاستعمال بعدما كان وصفًا كانت اسميته فرعًا لوصفيته فشبه بالمؤنث؛ لأن المؤنث فرع المذكر فجعل التاء علامة للفرعية كما جعل علامة في قولنا: رجل عَلَّامَةٌ لكثرة العلم بناءاً على أن كثرة الشيء فرع لتحقق أصله، وقيل: معنى كونها
(١) أصول الأحكام ١/ ٥٥٠ برقم (١٦٢٦ وهو في التجريد ٣/ ١٦٦، والبخاري ١/ ٤٣٠ رقم (١١٢١، ١١٢٢)، ومسلم ٢/ ١١٢٦ رقم (١٤٩٠)، والترمذي ٣/ ٥٠١ رقم (١١٩٥)، وابن ماجة ١/ ٦٧٤ رقم (٢٠٨٥) وغيرهم.