فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

بيان المخصص المتصل

صفحة 264 - الجزء 1

  ٥٢٤ - والعقلُ والقياسُ والمفهومُ ... هَذَا هُوَ المَنفَصِلُ المَعْلُومُ

  ثم لمَّا فرغ الناظم من بيان المتصل، شرع في بيان المنفصل، وهو ما يستقل بنفسه، بحيث لا يحتاج في ثبوته إلى ذكر العام معه، وقد عدده الناظم بقوله: وهو كتابُ اللَّهِ ... إلخ: وقد تقدم بيان الجميع، والمراد بالعقل: قوة للنفس بها يدرك الكليات، ثم شرع في تفصيل ذلك. فقال

  ٥٢٥ - تخصيصُ كلٍّ مِنْ كتابٍ يَا فَتَى ... أَوْ سُنَّةٍ بِمِثْلِهِ قَدْ ثَبَتَا

  ٥٢٦ - وَهَكَذَا بِسَائِرِ الأَدِلَّهْ ... فَاسْتَغْنِ عَنْ تَفْصِيْلِهَا بالجُمْلَهْ

  فقوله: تخصيص: مبتدأ، خبره قوله: قَدْ ثَبَتَا: وأشار بذلك إلى أنه يصح تخصيص كل من الكتاب أو السنة منطوقًا ومفهومًا موافقة أو مخالفة، بمثله كذلك، أمَّا منطوق الكتاب بمنطوقه فكآيتي عدتي الحامل والمطلقة، فإن قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}⁣[الطلاق: ٤] مخصَّصٌ لعموم قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}⁣[البقرة: ٢٢٨]، وَأَمَّا منطوقه بمفهومه فكقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}⁣[الشورى: ٤٠] {اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}⁣[البقرة: ١٩٤] فإنه مخصوص بقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا}⁣[الإسراء: ٢٣] لأن الظاهر أن التخصيص بالآية لا بغيرها، وَأمَّا السنة بالسنة؛ سواءً كانتا متواترتين أو آحاديتين أو مختلفتين؛ لأن المراد من المماثلة مطلقها، وهو يحصل بكونهما سنة، وإن اختلفتا بكونهما تواترًا وآحادًا، وللوقوع أيضًا، فإنَّ قوله ÷: «فيْمَا سَقت السَّمَاءُ الْعَشَرُ»⁣(⁣١) رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر مخصوصٌ بقوله ÷: «لَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» متفق عليه⁣(⁣٢)، من حديث أبي سعيد الخدري، وهو في السنة أكثر من أن يحصى، ولئلا يبطل أيضًا الأقوى بالأضعف، وهو العام، وقوله: وَهَكَذَا بِسَائِرِ الأَدِلَّةِ ... إلخ: أي وكما يجوز تخصيص الكتاب والسنة بمثلها، يجوز التخصيص لهما بسائر الأدلة. أما الكتاب بالسنة المعلومة بالتواتر أو بغيره فلا خلاف فيه كما قال ابن السمعاني: إن محل الخلاف في خبر الآحاد، إذ لم يجمعوا على العمل به، أما إذا أجمعوا عليه فيجوز التخصيص به بلا خلاف. وأما بالظنية فحكى أبو الخطاب ونقله ابن برهان: أنه ممتنع، واختيار أئمتنا


(١) أبو داود ٤/ ٣٧١ رقم (١٣٤٢)، والنسائي ٨/ ٢٢٥ رقم (٢٤٤٢)، والبخاري ٥/ ٣٣٥ رقم (١٣٨٨)، ومسلم ٥/ ١١٨ رقم (٣٠ ١٦) ٨/ ٢٢٥ رقم (٢٤٤٢).

(٢) البخاري رقم (١٣١٧) ومسلم (١٦٢٥).