العموم والخصوص
  والجمهور جوازه مطلقًا، كما أشار إليه الناظم، حيث أطلق ولم يقيد، وذلك لإجماع السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم على تخصيص الكتاب بالآحاد، فمن ذلك قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء: ٢٤] يدخل فيه نكاح المرأة على عمتها، وعلى خالتها، فخص بما رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة: قال: نهى رسول الله ÷ أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها. وللبخاري مثله: عن جابر، وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ٨٩}[النساء: ٨٩] فإنه مخصوص باستعانته ÷ بالمشركين والمنافقين، وقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران: ٩٧] فإنه خص بقوله ÷ في مَقيس بن ضبابة لما قتل قيس بن هلال الفهري: «لَا أُؤَمِنْهُ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ»(١) وقتله يوم الفتح، ومن ذلك آيات المواريث، فإنها مخصوصة بما جاء في السنة من موانع الإرث، نحو: ما رواه النسائي، والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي، عن أبي هريرة مرفوعًا «لَا يَرثُ القَاتِلُ شَيْئًا»(٢) وفي رواية «لَيْسَ للِقَاتِل مْيراثٌ» ومن ذلك: «لاَ يرثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ، وَلَاَ المُسِلمُ الكَافِرَ» رواه البخاري [٦٣٨٣]، ومسلم [١٦١٤]، واعترض: بأنهم إن كانوا أجمعوا فالمخصص هو الإجماع، لا خبر الواحد، وإن لم يجمعوا فلا دليل، إذ الدليل إنما كان الإجماع والفرض عدمه. وَأُجِيْبَ: بأن إجماعهم لم يكن على تخصيص تلك العمومات مطلقًا حتى يكون المخصص هو الإجماع، بل كان على تخصيص الآيات بالأخبار، وأما تخصيص الكتاب بالإجماع، فكإجماعهم على أن القريب المملوك لا يرث، فإنه مخصص لعموم آية المواريث. وقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}[البقرة: ٢٣٣] فإنه خص مِنْهُ المعسر والزوجة، والمعْتَقِ بالإجماع على عدم الوجوب. قُلْتُ: تخصيص ما ذكر بالمستند لا بالإجماع، والله أعلم، وأما تخصيص الكتاب بالقياس، فجائز أيضًا سواءً كان جليًّا كقياس العبد على الأمة في تنصيف الجلد على تقدير عدم الإجماع على ذلك، أو خفيًّا مثل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣] فيعم المديون وغيره، ثم يخص المديون بالقياس على الفقير، ومنعه أبو علي، وبعض الفقهاء مطلقًا، قال بعض العلماء: وهو الصحيح.
(١) تفسير الطبري ٩/ ٦١ رقم (١٠١٨٦)، والألوسي ٤/ ١٨٢، والنيسابوري ٣/ ٥٥. ذكر الحادثة.
(٢) أصول الأحكام ٢/ ٣٣١ رقم (٢٣٠٠)، ومسلم ٥/ ١٨٨ رقم (١٦٨٣)، والترمذي ٨/ ١٣٨ رقم (٢١٣٤)، وأبي داود ١٢/ ١٥٦) باب ديات الأعضاء، والموطأ ٥/ ٣٠٦، وعبد الرزاق في مسنده رقم (١٧٧٨٦).