فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

العموم والخصوص

صفحة 268 - الجزء 1

  رمضان؟ فيقال: من جامع في نهار رمضان فعليه: كفارة كالظهار، وإن كان الجواب أخص، فالحكم فيه كالحكم فيما لو لم يكن الجواب مستقلًا، مع كون السؤال خاصًا، فلا يتعدا محل التخصيص إلى غيره إلَّا بدليل خارج عن اللفظ كما مَرَّ، بل الخصوص هنا أولى مِنْهُ هناك لتطابق السؤال والجواب، فإن كان الجواب أعم، أو كان السبب غير سؤال فهو الذي أشار الناظم بقوله: ثُمَّ العموم ... إلخ: أي لا يقصر العموم على سببه الخاص، وهو مختار أئمتنا والجمهور: إن لم يظهر مقتض لتخصيصه كما سبق في المفهوم، وأن حكمه العموم، ومثال ما كان الجواب عامًا ما رواه النسائي عن أبي سعيد، قال: مررت بالنبي ÷ وهو يتوضأ من بئر بُضَاعة، فقلت: أتتوضأ مِنْهُا، وهو يطرح فيها ما يُكْرَهُ من النتن؟ فقال: «الماءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، ونحوه في سنن أبي داود [٦٦ - ٦٧] والترمذي [رقم ٦٦].

  ومثال الثاني: ما رواه البيهقي [٦٥، ٨١] عن ابن عباس وعائشة: أَنَّ شَاةً لميمونة ماتت، فقال النبي ÷: «هَلَّا استمتعتم بِإِهَابِهَا؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال: إن دباغ الأديم طهوره»⁣(⁣١) رواه البزار في مسنده من حديث يعقوب إلَّا شعبة، انتهى، وذلك؛ لأن السبب لا يغير وصفه فلا يغير فائدته، ولاعتبار السلف العموم مع ابنائه على أسباب خاصة من دون نكير، ولو كان السبب الخاص مسقطًا للعموم لكان إجماع الأمة على التعميم على خلاف الدليل، وهو باطل، وذلك كما في آية السرقة، روى الكلبي أنها نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدرع ذكره الواحدي في تفسيره، أو في سارق المجن أو رداء صفوان، على اختلاف الروايات، وكما في آية اللعان، فإنها نزلت في هلال بن أمية، وقصته مشهورة، كما في آية الظهار، فإنها نزلت في خولة أو خويلة بنت ثعلبة على اختلاف في اسمها حين ظاهرمِنْهُا زوجها أوس بن الصامت، وكما في آية الزنا {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ...}⁣[النور: ٣] الآية، فإنها نزلت في عَنَاقٍ وأبي مرثد الغنوي لما استأذن رسول لله ÷ في نكاح عناق، وكانت خليلة له في الجاهلية. رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

  واعلم أن تحرير محل النزاع لا يعرف إلا باعتبارات ثلاثة، وَهِيَ التخصيص بالسبب والتخصيص مع السبب والتخصيص للسبب. أما الأول: فمعناه قصر الحكم على سببه، وهو


(١) البيهقي رقم (٦٥، ٨١).