ما أدخل في المخصص
  دابة تختص بذات الأربع مما تركب بعد كونه في اللغة لما يَدُبُّ، وكما يخصص النقد بالنقد الغالب في البلد، بعد كونه في كل نقد، قُلْنَا: المخصص إنما هو غلبة الاسم لا غلبة العادة، فافترقا، وقوله: ولا تَقْدِيْرِمَا ... إلخ: أشار به إلى ما إذا ورد الخطاب مركبًا من شيئين: أحدهما معطوف على الآخر: هل يجب إذا ظهر في الأول شيء أن يضمر في الثاني: إذا لم يظهر أو لا يضمر؟ ثم إذا وجب ذلك وكان المضمر في الثاني مخصَّصًا بشيء فهل يجب أن يكون المظهر في الأول مخَصَّصًا بذلك الشيء أو لا؟ فذهب أصحابنا والشافعية، إلا أنه لا يخصص العام بتقدير ما أضمر في المعطوف مع العام المعطوف عليه، وهذا هو الذي أشار إليه الناظم. ومثاله قوله ÷: «لا يُقتل مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي(١)، عن قيس بن عبّاد، فاستدلوا بقوله: لا يقتل مؤمن بكافر على أن المسلم لا يقتل بالذمي؛ لأن الكافر وقع منكَّرًا في سياق النفي.
  وقالت الحنفية: يجب المساواة بين المعطوف والمعطوف عليه، فيجب أن يقدر في المعطوف بكافر كالمعطوف عليه، فيكون على التقدير، (ولا ذو عهد في عهده) بكافر.
  قالوا: ومما يقوي أن المراد عدم قتله بالكافر أن تحريم قتل المعاهد معلوم لا يحتاج إلى بيان، وإلا لم يكن للعهد فائدة؛ ثم إن الكافر الذي لا يقتل به المعاهد هو الحربي؛ لأن الإجماع قائم على قتله بمثله، وبالذمي، فوجوب أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم أيضًا، الأول: هو الحربي تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه.
  قُلْنَا: المقدر كالملفوظ، فإن النبي ÷ لو قال: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهده في عهدهِ بكافر، ثم علمنا بدلالة الكلام أن الآخر مخصوص بالحربي لم يجب أن يكون الأول كذلك، ولا نُسلم أن في الحديث تقديرًا؛ لأن قوله: ولا ذو عهد في عهد كلام تام، فلا يحتاج إلى إضمار؛ لأن الإضمار خلاف الأصل، فلا يصار إليه لغير ضرورة، فيكون نهيًا عن قتل المعاهد، ولا نسلم أن قتل المعاهد معلوم لا يحتاج إلى بيان؛ لأنه إنما يعلم من جهة الشرع، وإلا فإن ظاهر العمومات يقتضي جوازه، وفائدة قوله: في عهده: دفع ما عسى أن يتوهم من أن المعاهد لا يقتل وإن خرج من عهده، ولو سلم تقدير الكافر في الثاني فلا نسلم استلزام تخصيصه بالحربي تخصيص الأول به، فإن مطلق العطف مطلق الاشتراك لا
(١) أحمد برقم (٩٩١)، وأبو داود برقم (٢٧٥٣)، والنسائي ج ٤ برقم (٦٩٣٧).