فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول
  واستقلاله عن سائر العلوم فجعلوه فنًا قائمًا برأسه أسموه (علم أصول الفقه). وهو هذا الفن الذي يحث الطالب أن يكون مجتهدًا لا مقلدًا في شتى العلوم، لماذا؟ لأن النبي ÷ حث على طلب العلم؛ فقال ÷: «اطْلُبُوا الْعِلْمَ مِنْ الْمَهْدِ إِلَى اللَّحْدِ»(١) و «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»(٢)، «طَلَبُ العلمِ فَرْيَضةٌ على كُلَّ مُسْلمٍ»(٣) ... إلخ، في إرشادات ووصايا كثيرة ليس هذا مقام سردها، وأخبرنا ÷ أنه سيكذب عليه من بعده، فاحتاج تراث الإسلام إلى تنقية وتصحيح وتدقيق وضبط النصوص لإظهار الصحيح منها من السقيم، فاجتهد العلماء في إيجاد أكثر من فن، مثل فن علم الحديث لتصحيحها؛ لكن الغريب أن المتسنِّنَةَ لم يوفقوا في ذلك، بل ركبوا مركبًا صعبًا فعدَّلوا من يستحق الجرح، والعكس؛ فحادوا عن النهج القويم وعن الصراط المستقيم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ فلو تمسكوا - أعني (المتَسَنِّنَةَ) بالإنصاف؛ وتجنبوا الزيف والاعتساف، لَحَفَّهُمُ اللَّهُ بالألطاف، لكنها سنة الأولين {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ١٣}[الحِجر: ١٣] فلو كان هناك إيمان متين؛ بيوم الدين، لاقتفى المحدثون أبَرَّ طريقة وَآمَنَ سبيل لتصحيح الأحاديث كالتي سلكها إمام الأئمة الأعظم/ زيد بن علي بن الحسين بن علي $ وَهِيَ طريقة عرض الحديث على الكتاب التزامًا بوصية جده النبي الخاتم ÷ القائل: «إِنَّهُ سَيُكْذَبُ عَلَيَّ كَمَا كُذِبَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، فَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي فَأَعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ؛ فَمَا واَفَقَ كِتَابَ اللهِ فَهْوَ مِنِّي وَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللهِ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَمْ أَقُلْهُ»(٤) ونظرًا لعدم الحرص على التمسك بِمَنْ أُمِرْنَا بالتمسك بهم ومودة
(١) تفسير حقي ٧/ ٤٠٧، إسماعيل حقي توفي عام ١١٢٧ هـ وهو إسماعيل بن مصطفى الإسلامبولي الحنفي الحلواني المولى أبو الفداء متصوف مفسر تركي مستعرب، له روح البيان في تفسير القرآن ٤ أجزاء يعرف بتفسير حقي، كشف الظنون ١/ ٥٢ لحاجي خليفة، صالح آل الشيخ ٩٧/ ١.
(٢) أحمد ٦/ ١٨٦ رقم (٢٦٥٤، ٨٦٨٩٦)، والسنن الكبرى للنسائي ٣/ ٤٢٦، والطبراني في الأوسط ٢/ ١١٧ رقم (١٤٣٦) وفي المسند الكبير ٩/ ١٥١ رقم (٨٧٥٦)، وابن ماجة ١/ ٨٠ رقم (٢٢٠، ٢٢١)، الترمذي ٥/ ٢٨ رقم (٢٦٤٥)، والدارمي ١/ ٨٥ رقم (٢٢٤)، والنسائي ٣/ ٤٢٥ رقم (٥٨٣٩) والبيهقي في شعب الإيمان ٤/ ٢٢٦ رقم (٤٨٧٠، وابن حبان ١/ ٢٩١ رقم (٨٩)، والبخاري ١/ ٣٩ رقم (٧١).
(٣) الطبراني في الأوسط ١/ ٧ رقم (٩، ٥٦٧) ١/ ٦٤، ابن ماجة ١/ ٨١ رقم (٢٢٤)، والبيهقي ٢/ ٢٥٣ رقم (١٦٦٤) وغيرهم.
(٤) الإمام الهادي في مجموع رسائله في كتاب القياس ص ٥٧٨ ط ١ دار الحكمة اليمانية. والطبراني في الكبير ٢/ ٩٧ رقم ١٤٢.