الإنشاء وأقسامه
  القُوى الدراكَة، والمراد بالحكم الإيقاع، أو الانتزاع، أي التصديق والجزم بثبوت نسبته التي اشتمل عليها أو انتفائها، ولسنا نريد بالدلالة عليه وجوده، بحيث لا يتخلف عنها، بل يجوز تخلفه، والدلالة بِحَالها كما في خبر المجنون والساهي والنائم والشاك من عدم الجزم؛ لأن الدلالة اللفظية يجوز التخلف عنها، والمراد بدلالته على النسبة الخارجية: دلالته على تحققها في أحد الأزمنة الثلاثة سواءً كانت كذلك في نفس الأمر أم لا؛ لما عَرَفْت من جواز تخلف المدلول عن الدال في الدلالة اللفظية، بيان ذلك أنك إذا قلت: قام زيد، فقد دل هذا الخبر على ثبوت القيام لزيد في نفس الأمر وعلى الحكم بذلك الثبوت، فإن كان الموجود في الواقع أن زيدًا قائم تطابق الحكم بثبوت القيام لزيد وما في الواقع، وتطابق أيضًا قيامه الذي هو مدلول الخبر وقيامه في الواقع مع قطع النظر عن دلالة الخبر عليه، وإن كان الذي في الواقع أنه لم يقم فلا تطابق بين مدلولي الخبر اللذين هما الحكم والنسبة وما في الواقع، وقد يظن عدم التغاير بين المطابق الذي هو قيامه في الواقع الذي هو مدلول الخبر وبين المطابق الذي هو قيامه في الواقع مع قطع النظر عن دلالة الخبر عليه، وهو ظن فاسد لأنهما متغايران بالاعتبار كما أشرنا إليه، وتوضيحه: أن ثبوت القيام له اعتباران أحدهما: كونه مفهومًا من الكلام مع قطع النظر عن الواقع، والثاني: كونه الواقع مع قطع النظر عن الكلام وما يدل عليه، فالوقوع بأحد الاعتبارين غيره بالاعتبار الآخر فافهم.
الإنشاءُ وَأَقْسَامُهُ
  وأما الإنشاء: فهو عكس الخبر أعني أنه: الكلام الذي ليس لنسبتهِ خارج في أحد الأزمنة الثلاثة، وهو كما أشار إليه الناظم ينقسم إلى طلبي، وغير طلبي، فالطلبي: ما دل على طلب فعل أو ترك دلالة أولية، فإن دل على الاستعلاء (أي: عَدَّ الآمر نفسه عاليًا) فأمرٌ إن كان المطلوب فعلًا أو نَهْيٌ إن كان تركًا، ومع التساوي التماس، ومع الخضوع سؤال ودعاء، وخرج بقولنا: دلالة أَوْلية: الأخبار الدالة على طلب الفعل أو الترك فإنها لا تدل على طلب الفعل أو الترك أوَّ لا، وبالذات، بل على الإخبار بالطلب، مثلًا قولك أطلب منك الفعل، لا يدل على طلبه أولًا، بل على الإخبار بالطلب، والإخبار بالطلب: دال على الطلب، فدلالته على الطلب بواسطة دلالته على الإخبار به، وخرج به أيضًا غير الطلبي الدال على الطلبي لا بالذات كالترجِّي والتمنِّي فإنه يدل على طلب الفعل لا بالذات بل