فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

بيان شروط العلة

صفحة 156 - الجزء 1

بَيَانُ شُرُوْطِ العِلَّةِ

  ٢٣٩ - رابعُها العِلَّةُ يَا ذَا السَّمْعِ ... وَصْفٌ بِهِ يُنَاطُ حُكمٌ شَرعِيْ

  هذا هو الركن الرابع من أركان القياس وهو العلة، ومباحثها واسعة جدًّا، لأن عليها مدار القياس وَهِيَ في أصل اللغة الحالة والعذر، قال الشاعر:

  وكنتُ إذا مَا جِئتُ جِيْئَتَ بِعِلَّةٍ ... فَأَفْنَيتَ عِلَّاتِيْ فَكَيْفَ أَقُوْلُ⁣(⁣١)

  والمرض وهو ما يتغير به محل الحياة مع ألمٍ كتغير الجسم، وفي عرف اللغة الباعث أي الباعث على فعل الشيء وهو الداعي كما تقول: أكلتُ العسل لحلاوته فالحلاوة هي الباعثة أي الداعية إلى أكل العسل أو على تركه وتسَمَّي العلة الصارفة نحو: تركت القثاء لبرده، فالبرد علة صارفة عن أكله، وفي اصطلاح أهل الكلام لها معنيان أحدهما كل ذات أوجبت صفة كالحركة توجب كون محلها متحركًا، والعلم يوجب كون الحي عالمًا، والمعنى الثاني ما أوجبت حكمًا كالتأليف الذي يوجب حكمًا وهو صعوبة الانفكاك، فهذا يسمى علة في عرف المتكلمين تشبيهًا بالمعنى اللغوي إذ يتغير بها المحل من صفة لم يكن عليها وإلى حكم لم يمكن علته.

  اعلم أنها في عرف المتقدمين تنقسم على قسمين: الأول: ما تقوم به الماهية من أجزائها وتسمى عندهم علة الماهية وهي⁣(⁣٢) إما أن لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة وَهِيَ العلة المادية كالخشب للسرير فإن السرير موجودة فيها بالقوة، وإما أن يجب بها وجوده بالفعل وَهِيَ العلة الصورية كالسرير الموجودة بالفعل، والقسم الثاني: ما يتوقف عليه اتصاف الماهية المتقومة بأجزائها بالوجود الخارجي بمعنى أن اتصاف تلك الماهية بالوجود الخارجي متوقف عليها وتسمى علة الوجود، وَهِيَ إما أن يوجد بها المعلول أي يكون مؤثرًا في المعلول مُوْجِدًا له وَهِيَ العلية الفاعلية كالنجار للسرير أوْلَا، وحينئذ إما أن يكون


(١) هذا البيت ليزيد بن الطِّرْتِية: وهو من قصيدة طويلة منها:

فَدَيْتُكَ أعْدائيْ كثيْرٌ وَشيْعتِي ... بَعيْدٌ وأَشْياعيْ لَدَيْكَ قَليْلُ

فَمَا كُلَّ يومٍ لي بأرْضيك حاجةٌ ... ولا كُلُّ يَومٍ لي إَليْك رسُوْلُ

أعلام الزركلي ٨/ ١٨٣، وأورد معظم أبياتها في وفيات الأعيان ٦/ ٣٦٩، وفي عيون الأخبار ١/ ٤١٢، وديوان الحماسة ٢/ ١٢٦.

(٢) أي علة الماهية.