فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

مفهوم المخالفة وأقسامها

صفحة 209 - الجزء 1

  مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}⁣[آل عمران: ٧٥]، وأشار بقوله: أوْلَا إلى النوع الثاني مِنْهُ، وهو الذي لم يكن فيه معنى الأولى، بل يكون إما مساويًا لحكم المذكور أو دونه، وهو المسمى لحن الخطاب، ومثال المساوي تحريم الأذى المساوي للتأفيف كتقطيب الوجه، ومثال الثاني: نحو قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}⁣[الأنفال: ٦٥]، فإنه يدل بمفهومه على ثبات الواحد للعشرة، إذ يعلم من حال ثبوت العشرين للمائتين المنطوق به حال ثبات الواحد للعشرة المفهوم مِنْهُ مع الاتفاق في الحكم، وهو وجوب الثبات فيهما، لكن دلالته لا بطريق الأولى، بل دونه لأنه في حق العشرين أشد لحصول التظافر، وهذا النوع متفق عليه في كونه دليلًا شرعيًا، وإنما اختلفوا في وجه الدلالة على الحكم في المسكوت عنه، فقيل: إن ذلك من جهة القياس لتوقفه على معرفة الجامع، وهو المسمى بالقياس الجلي، واختاره صاحب الفصول ونسبه إلى الجمهور، وسواءً فيه الأولى، والمساوي، وقال ابن الحاجب: إن الأولى من باب المفهوم، والمساوي من باب القياس، والمشهور أنه من باب المفهوم لا القياس، ونقله الرافعي وغيره عن الأكثر. ثم أشار إلى النوع الثاني بقوله:

مفهوم المخالفة وأقسامها

  ٣٩٢ - ثَانِيْهِمَا مَا قَدْ أتى مُخالِفَا ... مَنطوقهُ فَكُنْ هُدِيْتَ عَارِفَا

  أشار إلى النوع الثاني من المفهوم، وهو المسمى مفهوم المخالفة لمخالفته حكم المنطوق، وهو أن يكون المسكوت عنه مخالفًا للمنطوق في الحكم إثباتًا ونفيًا، وهو أقسامٌ أشار إليها بقوله:

  ٣٩٣ - وَهْوَ كَمَا قَدْ ذَكَرُوا أقسامُ ... كثيرةٌ حَرّرَهَا الأَعْلَامُ

  ٣٩٤ - أوَّلُها في العِدِّ مَفْهُوْمُ اللَّقَبْ ... وَهْوَ ضَعِيفٌ سَاقِطٌ فَيُجْتَنَبْ

  أشار الناظم إلى أول الأقسام من مفهوم المخالفة: وهو مفهوم اللقب وهو نفي الحكم عما لا يتناوله الاسم مثل: «فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ» وزيدٌ قائمٌ، فإنه يدل على نفي الزكاة عن غير الغنم، ونفي القيام عن غير زيد، ومِنْهُ الاسم المشتق الذي غلبت علية الاسمية، ومثله الغزالي بحديث: «لا تبيعوا الطعام بالطعام»⁣(⁣١) كذا في الاسم المشتق الذي لم يلحظ فيه


(١) أصول الأحكام ٢/ ٣٣ رقم (١٧٦٣)، ومسلم ٨/ ٢٧٤ رقم (٢٩٨٢)، وأحمد برقم (٢٥٩٩)، والموطأ ٤/ ٣٥٩ باب بيع الطعام بالطعام، وغيرهم كثير.