فصل في النسخ
  الخليل إلى خليله، فمن وصل ذلك المقام أمِنَ من نار القطيعة، وعذاب الحجاب، وهذا طرف من تأويلهم الباطل، وقد تأولوا القرآن من أوله إلى آخره على هذا الأسلوب، وزعموا أنه المراد وعطلوه من الشرائع والأحكام.
فَصْلٌ فِيْ النَّسْخِ
  ٥٧٨ - وَالنَّسْخُ رَسْمُهُ بغيرِ مَنْعِ ... إزالةٌ لمثلِ حُكْمٍ شَرْعِيْ
  ٥٧٩ - وَذَاكَ بالنصِّ مَعَ التَّراخي ... بَيْنَهُماَ نقَلًا عَنِ الأشْياخ
  لما فرغ الناظم من مِمَّا تقدم، شرع في بيان النسخ. والنسخ: مصدر نسخ، وهو لغة: بمعنى الإزالة، وبمعنى النقل، قال ابن فارس: كل شيء خلف شيئًا فقد نسخه، يعني سواءً أزالهُ أو لم يزله، ومن الأول: تناسخُ الأزمنة والقرون، ونسخت الشمسُ الظلَّ والشيبُ الشبابَ، ومن الثاني تناسخ المواريث فيكون للْقَدْرِ المشترك وهو مختص بالكتاب والسنة لا غير، والمقصود بالكلام فيه هو التوصل إلى معرفة الناسخ والمنسوخ من الآيات القرآنية والسنة النبوية ليعمل بالناسخ ويترك العمل بالمنسوخ، لكنه لا يمكن ذلك إلا بعد معرفة ماهية النسخ، ومعرفة ما يجوز نسخه وما لا يجوز، فأما ماهيته: فقد أشار إليها بقوله: إزالة ... إلخ: يعني أنه إزالة مثل الحكم الشرعي بالنص الشرعي مع تراخٍ بينهما، أي بين المزال والمزيل، فقولنا: إزالة: جنس الحد وقولنا: مثل الحكم الشرعي: أي لا عينه؛ لأنه بَدَا؛ لا يجوز على الله سبحانه وتعالى، إذ لم ينكشف له ما لم يكن قد علمه، وخرج بقولنا: الشرعي: العقلي، فليس بنسخ عقلي اصطلاحي. وقوله: بالنص الشرعي: يعني من الكتاب والسنة لا غيره، وخرج به العقلي كالموت والنوم، فلا يسُمىَّ نسخاً. وقولنا: مع التراخي بنيهما: أي المزيل، والمزال خرج به: جميع طرق التخصيص. إذا عرفت هذا، فاعلم أن أركانه أربعة، ناسخٌ: وهو الشارع، ومنسوخٌ: وهو الحكم الشرعي المبين انتهاؤه، ومنسوخ به: وهو الحكم الشرعي المبين انتهاء ذلك الحكم الأول، ومنسوخ عنه: وهو المكلف، وهو ثابت إجماعًا بالضرورة، فلا اعتداد بمن خالف في وقوعه، ولا حاجة بنا إلى الاستدلال عليه لكونه معلوماً بالضرورة، قوله:
  ٥٨٠ - والنسخُ جائزٌ على المختارِ ... ولو خَلَا عَنْ قِدَمِ الإِشْعَار