فصل في الاجتهاد والتقليد
  والظن إنما هو في كونه متصفاً بالنسخ، فأما الطرق الفاسدة فمِنْهُا: قول الصحابي، هذا منسوخ وهذا ناسخ لجواز أن يكون عن اجتهاد، سواءً صرح بعلة أَوْلَا، وسواءً كان الأول معلومًا أو مظنونًا، وكترتيبه في المصحف، فإن الآيات لم ترتب ترتيب النزول، ألا ترى أن وجوب الاعتداد حولاً، المستفاد من قوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة: ٢٤٠] منسوخ بوجوب التربص أربعة أشهر وعشراً، المستفاد من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة: ٢٣٤] كما يقدم الناسخ في التلاوة، وغير ذلك مما هو معلوم، والله أعلم.
فَصْلٌ في الاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيْدِ
  قوله:
  ٦٠١ - الاجتهادُ وَهْوَ بَذْلُ الوُسْعِ ... لِيَحْصُلَ الظَّنُّ بِحُكْمٍ شَرْعِيْ
  لما فرغ الناظم من بيان الأدلة وتوابعها شرع في بيان الاجتهاد والتقليد، والاجتهاد لغة: تحمل الجهد والمشقة،. واصطلاحًا: ما ذكره الناظم وهو: بذل الوسع في تحصيل ظن بحكم شرعي، أي ما استند إلى دليل شرعي، وهو المراد بقولهم: بذل المجهود لتحصيل المقصود، ومعناه: بذل تمام الطاقة بحيث يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه، وقوله:
  ٦٠٢ - ثُمَّ الفقيهُ مَنْ لَهُ أهْلِيَّهْ ... وَهِمَّةٌ سَامِيَةٌ عَلِيَّهْ
  ٦٠٣ - وَهْوَ الذي يَسْتَنْبِطُ الأَحْكَامَا ... ويُحْكِمُ الفِعْلَ لَهَا إِحْكَامَا
  ٦٠٤ - مَعْ عِلْمِهِ بِالنحو والمعانِي ... واللُّغَةِ الفُصْحَاءِ والبَيَان
  ٦٠٥ - ثُمَّ أُصولِ الفقهِ والقرآنِ ... والسُّنَّةِ الغَراءِ بالإِتْقَان
  ٦٠٦ - وَهَكَذَا مَسَائِلُ الإِجْمَاعِ ... وَهِيَ يَسِيْرَةٌ بِلَا امْتِنَاع
  اعلم أن الفقيه لغة: كثير الفقه، وقد تقدم تعريف الفقه في أول الكتاب، واصطلاحًا: هو المجتهد، وهو من له أهلية الاستنباط بمعنى التمكن مِنْهُ، وإن لم يحصل بالفعل، والمراد بذلك أنه الذي يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية، وأشار بقوله: مع علمه: أنه ما تحصل ملكة الاجتهاد إلا بعلم المجتهد بما أشار إليه من قوله: مع علمه بالنحو ... إلى آخر: ما ذكره وهي: علوم العربية: النحو، والمعاني، والبيان، واللغة، وكذا التصريف وذلك بأن يعرف معاني المفردات والمركبات وخواصها تعلمًا أو سليقة؛ لأن