فصل في الترجيح
  بالفقيه مِنْهُم، وليس له من ذلك إلا الاسم، وإنما يعقل جملة الإسلام من دون تفصيل، فالأقرب في أمره إلى الصواب أن يقر على ما لم يكن يخرق الإجماع من عبادة أو معاملة بأن يوافق اجتهادًا اعْتُدَّ بِهِ، ثم ينعقد الإجماع قبله أو بعده إذ لو خرق الإجماع لم يصح مِنْهُ، ولا يقر عليه، كما يقع من كثير من العوام من ترك الركوع في الصلاة رأسًا، فإن صلاته لا تصح؛ لذلك، وذلك إنما يقر كما تقدم فيما قد فعله معتقدًا لجوازه وصحته، فحكمه في ذلك حكم المجتهد، فيكون مذهبًا لذلك العامي، والتزامًا لمذهب من قال بصحته، ويفتي فيما عدا ذلك بمذهب أهل جهته، وإن عدم العلماء في جهته فإنه يفتي بمذهب علماء أقرب جهةٍ إليها، والله أعلم.
فَصْلٌ في التَّرْجِيْحِ
  ٦٧٢ - فَصْلٌ يَعُمُّ القولَ في التَّرْجِيْحِ ... بِكُلِّ قولٍ وَاضحٍ صَحِيْح
  ٦٧٣ - وَهو بِأنْ تَقْتَرِنَ الأَمَارهْ ... بكلِّ ماَ يُقْوَى بِهِ إِشَارَهْ
  ٦٧٤ - بِهِ عَلَى أَمَارةٍ مُعَارِضَهْ ... أُخْرَىَ لَهَا لِكَونِهَا مُناقِضَهْ
  الترجيح لغة: فضل في جانبي المعادلة، وجعل الشيء فاضلًا، ويطلق مجازًا على اعتقاد الرجحان، وفي اصطلاحهم: ما أشار إليه الناظم وهو اقتران الأمارة أي الدليل الظني في نظر المجتهد بما يُقْوى به، وقول الناظم: إشارة به: جملة مُعترضة أي بشيء(١) زائد عليها بحيث يقوى به على أمارة أخرى معارضة لها بأن يقتضي كل مِنْهُما خلاف ما يقتضيه الآخر وهو مراده بقوله: لكونها مناقضة، فإن أمكن الجمع بينهما وجب ولو من وجه: بأن تحتمل إحداهما تأويلًا يوافق الأخرى، وهو يكون بين آيتين كما في قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[البقرة: ٢٢٥] وفي موضع آخر {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}[المائدة: ٨٩] فالأولى توجب المؤاخذة على الغموس: لأنها من كسب القلوب، أي القصد، والثانية: توجب عدم المؤاخذة التي توجبها الأُوْلى: لأنها من اللَّغْوِ، والجمع بينهما أن يقال: المؤاخذة التي توجبها الآية الأولى على الغموس هي المؤاخذة في الآخرة والتي تنفيها، الثانية هي المؤاخذة في الدنيا، أي: لا يؤاخذكم الله
(١) قوله: بشئ تفسير لقوله: سابقًا: بما يقوى به تمت مؤلف.