فصل في الأدلة
  وَمِنْ أَعْجَبِ الأشياءِ أنَّكَ لَا تَدْرِيْ ... وَأَنَّكَ لَا تَدْرِيْ بِأَنَّكَ لَا تَدْرِيْ(١)
  وكما قال أبو الطيب:
  وَكَمْ جَاهِلٍ بِيْ وَهْوَ يَجْهَلُ جَهْلَهُ ... وَيَجْهلُ أيضًا أَنَّهُ بِيَ جَاهِلُ(٢)
  وأما البسيط، فهو الجهل بالشيء بالكلية كجهلنا بما تَحْتَ الأرضين، وبما في قعر البحار، وأما السَّهْوُ: فهو الذهول عن الشيء مع بقائه في الخزانة الحافظة بحيث إذا تذكره أمكنه إدراكه، والنسيان هو الذهول عن الشيء مع ذهابه عن الحافظة(٣).
فَصْلٌ في الأَدِلَّةِ
  ٦٦ - وَجُملَةُ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّهْ ... أَرْبَعَةٌ وَاضِحَةٌ جَلِيَّهْ
  قد عرفت أن الأدلة الشرعية هي موضوع هذا الفن، التي لا يبحث الأصولي إلا عن أحوالها من إثبات كونها أدلة، وكون معناها موجبًا أو محرمًا، أو أمرًا، أو نهيًا، أو منطوقًا، أو مفهومًا، أو عامًا، أو خاصًا، أو مطلقًا، أو مقيدًا، أو حقيقةً، أو مجازًا، أو مجملًا، أو مفصلًا، أو ظاهرًا، أو مؤَوَّلًا، أو ناسخًا، أو منسوخًا، أو غير ذلك من الأحوال العارضة لموضوع الفن كما سيأتي بيانها مفصلًا. إن شاء الله تعالى، وَالأَرْبَعَةُ: هي الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام، والإجماع من أهل البيت النبوي؛ أو من الأمة، والقياس، وبدأ الناظم بالدليل الأول وهو كتاب الله ø لأنه المقدم شرفًا ورتبةً، فقال:
  ٦٧ - مِنْهَا كِتَابُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ... وَهْوَ الَّذِيْ يُعدُّ مِنْهَا أوَّلَا
  ٦٨ - وَكَوْنُهُ أُنْزِلَ لِلْإعْجَازِ ... بِسُوْرَةٍ مِنْهُ بِلَا إِلْغَاز
  أشار إلى أن أول الأدلة: هو كتاب الله تعالى، وهو في الأصل مصدرٌ، والمراد به هنا: المكتوب؛ كاللفظ، بمعنى الملفوظ، وهو مشتق من الكتب، وهو الضم، والجمع، إذ هو
(١) البيت لنصر بن شميل، أو علي الناشي. ينظر مجمع الحكم والأمثال للميداني.
(٢) ج ٣ قافية اللام ص ٢٩٢ ط ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ هـ. شرح ديوان المتنبي لعبد الرحمن البرقوقي.
(٣) وللقاضي العلامة محمد بن حسن الشجني في الفرق بين السهو والنسيان:
السَّهْوُ مَا كَانَ مَعْلُومًا بِحَافِظَةٍ ... لَكِنَّهُ غَابَ عَمَّا يُدرِكُ الصُّوَرَا
فَإِنْ نَزَعْتَهُمَا زَالَتْ حَقِيقَتُهُ ... فَإِنَّ ذَلِكَ نِسْيَانٌ بِغَيْرِ مِرَا
تمت مؤلف.