كثيرة، أو لمصلحة علمها الله، قال أئمتنا وبعض السلف والجمهور: ويعلم الراسخون تأويله، لوقوع الخطاب به، [وقال] بعض السلف، وأكثر الفقهاء والمحدثون: لا يعلمونه لعدم الخطاب به والأول: هو الصحيح، والمراد بالرَّاسِخِ: المجتهد الثابت العقيدة، أَيْ: الذي معتقده حِقَّةٌ [٣٢]، لأنها ثابتة في نفس الأمر، قوله: -

لاَ يُوْجَدُ في القرآنِ مَا لَيْسَ لَهُ مَعْنَى

  ٧٦ - وليسَ فِيْ القُرْآنِ مَا لَيْسَ لَهُ ... مَعْنىً كما يقولُ من يَجْهَلُهُ

  واعلم أيضًا: أنه ليس في القرآن مالا معنى له - كما يقول: من يجهل معاني كتاب الله، بل كل لفظ من ألفاظه له معنى، ومعانيه واضحة بينة مستقيمة، إما حقيقية أو مجازية، لغوية أو شرعية أو عرفية، وتصح معرفتها لكل أحد من المكلفين، وإلا كان هذيانًا، وانتقض الغرض بالخطاب - أعني فهم المعنى - وذلك لا يليق بالحكيم تعالى خلافًا للحشوية بفتح الشين نسبة إلى الحشَا وهو الجانب، وذلك أنهم كانوا يجلسون أمام الحسن البصري ¥؛ فوجد كلامهم رديًّا، فقال: رُدُّوهم إلى حَشَا الحَلَقة، فسموا بذلك، ومذهبهم أن في القرآن المهمل، محتجين بما ورد في أوائل السور من الحروف المقطعة، قلنا: لها معان يعرفها أهل العلم⁣^(⁣١)؛ ولذا اختلف المفسرون فيها على أقوال قريبة من سبعين قولًا ذكره البارزي والله أعلم، قوله:

  ٧٧ - وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِ خِلَافُ الظَّاهرِ ... يَا صَاحِ إِلاَّ بِدَليْلٍ آخَر

  واعلم أنه ليس في القرآن ما المراد به خلاف ظاهره؛ من دون دليل كما تقوله المرجئة، فأمَّا مع الدليل فذلك كثير نحو: {إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}⁣[البقرة: ٢١٠]. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}⁣[القيامة: ٢٢ - ٢٣]. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}⁣[طه: ٥]. {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}⁣[المائدة: ٦٤]. وغير ذلك مما لا يسعه المقام، قال الجوهري: «المرجئة مشتقة من الإرجاء وهو التأخير، سموا بذلك لأنهم لا يجعلون الأعمال سبَبًا لوقوع العذاب ولا لسقوطه، بل أرجؤُوها أي أخروها ودحضوها»⁣^(⁣٢)، قوله:

(١) ومثل هذه الشبه قَدْ رَدَّ عليها الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم الرسي # في رده على الزنديق ابن المقفع لعنه الله، انظر مجموع رسائله ج ٢ ط ١/ص ٣٦٧ - دار الحكمة.

(٢) [٣٨٦] ومفتاح السعادة للسيد علي العجري ١/ ٣٣٧ إلى ٣١٠٨، تفسير الأعقم للآنسي ٤/ سورة يونس ١٧٤، الكشاف ٢/ ٤٧٢، فتح القدير للشوكاني ٨/ ١٠، الرازي ١/ ٣٠٣/ ٢/ ١٧٥.