تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[12] - قوله تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون 44}

صفحة 131 - الجزء 1

  فقال إن هذا الصوت من الشيطان، وقد سخر منك فاشتبه الأمر على زكريا # فقال: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} وكان مقصوده من هذا الكلام أن يريه اللّه تعالى آية تدل على أن ذلك الكلام من الوحي والملائكة لا من إلقاء الشيطان، قال القاضي: لا يجوز أن يشتبه كلام الملائكة بكلام الشيطان عند الوحي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إذ لو جوزنا ذلك لارتفع الوثوق عن كل الشرائع، ويمكن أن يقال: لما قامت المعجزات على صدق الوحي في كل ما يتعلق بالدين، لا جرم حصل الوثوق هناك بأن الوحي من اللّه تعالى بواسطة الملائكة ولا مدخل للشيطان فيه، أما ما يتعلق بمصالح الدنيا وبالولد فربما لم يتأكد ذلك المعجز فلا جرم بقي احتمال كون ذلك من الشيطان فلا جرم رجع إلى اللّه تعالى في أن يزيل عن خاطره ذلك الاحتمال⁣(⁣١).

[١٢] - قوله تعالى: {ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ٤٤}

  ففيه مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في تلك الأقلام وجوها الأول:

  المراد بالأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة وسائر كتب اللّه تعالى، وكان القراع على أن كل من جرى قلمه على عكس جري الماء فالحق معه، فلما فعلوا ذلك صار قلم زكريا كذلك فسلموا الأمر له وهذا قول الأكثرين. والثاني: أنهم ألقوا عصيهم في الماء الجاري جرت عصا زكريا على ضد جرية الماء فغلبهم، هذا قول الربيع والثالث: قال أبو مسلم: معنى يلقون أقلامهم مما كانت الأمم تفعله من المساهمة عند التنازع فيطرحون منها ما يكتبون عليها أسماءهم فمن خرج له السهم سلم له الأمر، وقد قال اللّه تعالى: {فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ١٤١}


(١) م. ن ج ٨/ ٤٨.