مقدمة الكتاب
  وقد أنكرت الحشوية من أهل القبلة رد المتشابه إلى المحكم، وزعموا أن الكتاب لا يحكم بعضه على بعض، وأن لكل آية منه ثابتة واجب حكمها بوجوب تنزيلها وتأويلها، ولذلك ما وقعوا في التشبيه، وجادلوا عليه، لما سمعوا من متشابه الكتاب، فلم يحكموا عليه الآيات التي جاءت بنفي التشبيه.
  فاعلم ذلك، فإن هذه جملة من معرفة المعبود والتعبد والعبادة، ومعرفة الحجج التي وجب التعبد على جميع المكلفين.
  ثم نعود إلى تفسير هذه الجملة وشرحها، وتبيين عللها وما تكمل به المعارف من تقسيمها، فأول ما نذكره من ذلك معرفة الله ø، وهي عقلية منقسمة على وجهين: وهي إثبات ونفي، فالإثبات هو اليقين بالله والإقرار به، والنفي هو نفي التشبيه عنه تعالى وهو التوحيد.
  وهو ينقسم على ثلاثة أوجه:
  أولها: الفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق، حتى ينفى عنه ما يليق بالمخلوقين في كل معنى من المعاني، صغيرها وكبيرها، وجليلها ودقيقها، حتى لا يخطر في قلبك في التشبيه خاطر شك ولا توهيم ولا ارتياب، حتى توحد الله سبحانه باعتقادك وقولك وفعلك. فإن خطرت على قلبك في التشبيه خاطرة شك، فلم تنف عن قلبك بالتوحيد خاطرها، وتمط باليقين البتّ والعلم المثبت حاضرها، فقد خرجت من التوحيد إلى الشرك، ومن اليقين إلى الشك، لأنه ليس بين التوحيد والشرك، وبين اليقين والشك، منزلة ثالثة. فمن خرج من التوحيد فإلى الشرك مخرجه، ومن فارق اليقين ففي الشك موقعه.