الروض الباسم في فقه الإمام القاسم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

مقدمة الكتاب

صفحة 88 - الجزء 1

  والوجه الثاني: فهو الفرق بين الصفتين، حتى لا تصف القديم بصفة من صفات المحدثين.

  والوجه الثالث: فهو الفرق بين الفعلين، حتى لا يشبّه فعل القديم بفعل المخلوقين، فمن شبّه بين الصفتين، ومثّل بين الفعلين، فقد جمع بين الذاتين وخرج إلى الشك والشرك بالله، وبرئ من التوحيد والإيمان بالله، وصار حكمه في ذلك حكم من أشرك، اعتقد ذلك وامترى فشك. فهذه جملة التوحيد المضيقة التي لا يعذر - من اعتقادها، والنظر في معرفتها، عند كمال الحجة - أحد من العبيد، فمن مكّن بعد بلوغه وكمال عقله، وقتا يكمل فيه معرفة العدل ويمكنه، فتعدى إلى الوقت الثاني وهو جاهل بهذه الجملة، فقد خرج من حد النجاة، ووقع في بحور الهلكات، حتى يستأنف التوبة، ويقلع عن الجهل والغفلة، بالنظر في معرفة هذه الجملة التي لمعرفتها خلق الله الخلق، وهي {فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٠}⁣[الروم: ٣٠].

  والدين القيم: فهو المستقيم الواصب، الثابت الدائم المتصل، وذلك قوله: {وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ}⁣[النحل: ٤٣]. يريد منصبا متعبا. وهو التوحيد والخلصانية، التي لا تزول عن قلوب المتعبدين العارفين بالله المخلصين، بزوال سائر الشريعات التي تزول بزوال الاستطاعات، والعلل المانعات، عن القيام بالفروض الشرعيات.

  ثم اعلم أن هذه الجملة هي أصل التوحيد، فكل ما ورد من الشرح والكلام فهو مردود إلى هذا الأصل، الذي أجمع عليه أهل القبلة، فما ورد