باب ما يحرم من النكاح وما يحل
  لأنهما أكثر مُدَّة الرضاع؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة: ٢٣٣]. قلنا: سواءٌ قليل الرِّضاع وكثيْرُهُ(١)؛ لأن الكل يطلق عليه اسم الرِّضاع.
  مسألة: (وإذا تزوج رجلٌ امرأةً وحصل فيها لبن منه، فكل من رضع من ذلك اللبن كان ابناً لذلك الرجل من الرِّضاعة، وأُوْجِبَ التحريمُ عليه وعلى أولاده، كما يُوجَبُ التحريمُ على المرأة وأولادِها)؛ وذلك لما رُوِيَ عن عائشةَ أن عمًّا لها من الرضاعة يقال له: أَفلَح، استأذن عليها فحجبته، فأخبرت رسولَ الله ÷ فقال: «لا تَحْتَجِبِي عَنْهُ؛ فَإنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرِّضاعِ مَا يَحْرُمُ من النَّسَبِ»(٢)، ورُوي أنها رضعت من امرأة أخيه القُعَيْس، فصار لذلك عمًّا لها من الرِّضاعة، فثبت بذلك أن التحريم يحصل بلبن الفحل كما يحصل بلبن المرأة.
  مسألة: (ويحرم على الرجل امرأة أبيه وجده، وامرأةُ ابنه وابن ابنه). فأما امرأةُ الأبِ والجدِّ فلقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}[النساء: ٢٢]. وأما امرأة الابنِ وابنِ الابنِ؛ فلقوله تعالى في جملة المحرمات: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}[النساء: ٢٣]، وهذا نصٌ في تحريم امرأةِ الابن، وابنُ الابنِ داخلٌ في حكمه بالإجماع، وامرأةُ الابنِ من الرضاعةِ داخلةٌ في هذا الحكم؛ لقول النبي ÷: «فَإنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرِّضاعِ مَا يَحْرُمُ من النَّسَبِ».
(١) قال الشافعي: لا يحرم إلا خمس رضعات.
(٢) شرح التجريد ٣/ ٧، والشفاء ٢/ ١٥٦، وأصول الأحكام، ومسلم رقم ١٤٤٥، والبيهقي ٧/ ٤٥٢، والنسائي رقم ٥٤٤٤، ونصب الراية ٣/ ١٦٨.